غزة، تلك البقعة التي تكاد تختصر العالم كله في تفاصيلها. هناك، تختلط دموع الحزن بزغاريد الحرية للسجناء، ويقف الإنسان حائرًا أمام لوحة لا يدري إن كانت من الألم أم من الأمل.
سؤال يؤلمني وأخشى الخوض فيه، لحساسيته أو ربما لخشيتي من إساءة تفسيره من قبل الآخرين. لماذا ارتقى هذا العدد الكبير من الشهداء؟ لماذا كل هذه الجراح؟ لماذا هذا الدمار؟
هنا نقف في حيرة أمام أطلال الخراب، ونتساءل – ليس كفرًا، بل لهول المشهد – هل أرادها الله؟ أم أرادتها البشرية؟
في كل زاوية مدمرة، وفي كل قلب ينبض بالأمل، نرى أبطالًا غادرونا ليمنحوا الحرية للآخرين. غادروا ليبرهنوا أن الحرية ليست مجرد كلمة عابرة، بل هي دم يُراق ليُكتب بها التاريخ.
كيف لنا أن نبكيهم وقد صنعوا من موتهم حياة لغيرهم؟ وكيف لنا أن نشكرهم وقد دفعوا الثمن نيابة عنّا؟
غزة تخبرنا أن الشهداء ليسوا أرقامًا تُحصى، بل هم نور يضيء طريق الحرية. كل قطرة دم سالت منهم كانت بوصلة تشير إلى الكرامة. في غزة، الشهيد لا يموت، بل يولد من جديد في كل نبضة أمل، وفي كل ابتسامة طفل يحمل حلمًا بوطن حر.
وفي لحظات الحرية للأسرى، تختلط المشاعر من جديد. كيف نفرح بخروجهم من سجون الظلم، ونحن نعلم أن كل أسير تحرر وراءه ألف شهيد أو أكثر؟
غزة، كيف لنا أن نفرح لهم دون أن ننظر بعين الخجل إلى من قدموا أرواحهم ليصلوا إلى هذه اللحظة؟ كيف نفرح ونحن ندرك أن هذه الحرية لم تأتِ إلا بدماء من سبقوهم إلى السماء؟
ما يعزينا أن الأسرى في فلسطين ليسوا فقط ناجين من القيد، بل هم أبطال عادوا ليحملوا الراية، ليقولوا للعالم إن السجون لا تكسر الإرادة، وإن الحلم بالحرية أقوى من أي جدار أو قيد.
في غزة، لا مكان للعادي. كل شيء استثنائي. حتى الحزن فيها يزهر حياة. الدمار يتحول إلى لوحة إبداعية من الصمود، والأنقاض تصبح مآذن تصدح بالأمل. كيف لهذه الأرض أن تحافظ على قدرتها على الحياة رغم كل هذا الموت؟ وكيف لنا أن ننظر إليها دون أن نشعر أننا مدينون لها بكل لحظة كرامة نعيشها؟
غزة تُعلمنا أن القوة لا تقاس بما تملكه من سلاح، بل بما تملكه من إرادة. وأن الفرح ليس في الانتصارات المؤقتة، بل في القدرة على النهوض بعد كل سقوط.
غزة ليست مجرد مكان، بل هي فكرة، هي نبض الحياة الذي يصرخ في وجه الموت ليقول: لن أستسلم.
يا غزة، كيف لنا أن نبكيك وكل دمعة تذرفها أعيننا تزيدك قوة؟ كيف لنا أن نشكرك وأنتِ تلملمين جراحك وتنتشلين أبناءك الذين ما زالوا عالقين تحت ركام المباني؟كيف وكيف