أدت المواقف الدولية الصادمة خلال الحرب على غزة إلى إلحاق أضرار جسيمة بهيبة واحترام قواعد القانون الدولي الإنساني (قانون الحرب)، وهي أضرار لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث. بل تحول النقاش القانوني والسياسي في العلاقات الدولية إلى سؤال صعب: هل لا تزال هذه القيم والقواعد قابلة للتطبيق في ميدان الصراعات الدولية؟ أم أن الحاجة باتت ماسة إلى نظام عالمي جديد قد يختلف عما كان عليه الحال؟ وازدادت حدة النقاش لتصل إلى الحديث عن إعادة صياغة ميثاق الأمم المتحدة ذاته.
تبرز أهمية هذا النقاش إذا علمنا أن منظومة العلاقات الدولية تعتمد أساسًا على السوابق السياسية، التي يتم تأطيرها لاحقًا في اتفاقيات دولية. وخلال الحرب على غزة، تعرضت هذه القواعد لانتهاكات فاضحة، أقرّتها كثير من الدول ذات النفوذ، سواء بالصمت أو بشكل صريح. لذا، هناك خشية من أن تصبح هذه الانتهاكات سوابق سياسية يُحتكم إليها لاحقاً لتغيير قواعد النظام السياسي العالمي بعد حرب غزة.
تكمن الخطورة في أن إعادة صياغة جديدة للقانون الدولي الإنساني قد تتم في ظل غياب تأثير دول العالم النامية. وهذا قد يفتح الباب واسعًا لعودة الاستبداد، متسلحًا بإطار جديد من الشرعية الدولية، ما لم تُقاوم أي محاولات لتغيير هذه القواعد في المرحلة المقبلة. ورغم ضعفها، فإن القواعد الحالية تظل أفضل للاستقرار العالمي من نسفها تمامًا.
لا شك أن أدوات السياسة الدولية تبقى متغيرة ومعقدة وتحتاج إلى وقت للتعديل والتغيير. ولكن التمسك بمنظومة العلاقات الدولية القائمة والشرعية الدولية الحالية، يبدو ضرورة ملحة لاستدامة الحد الأدنى من الاستقرار والأمن والسلام الدولي.
رغم كل ذلك، لا بد من الإقرار بأن الحرب على غزة شكلت صدمة للقيم الإنسانية، والعالم بعد هذه الحرب لن يكون كما كان قبلها.