بكل هدوء و ثقة في النفس و رباطة جأش و طمأنينة ، أطل علينا الملك يوم الاحد الموافق 2025/1/26 من على منصات التلفزة الإعلامية الدولية بتصريحات ردا على اسئلة الإعلام الغربي من بروكسيل عاصمة بلجيكا حول الموقف الأردني إزاء انتقال جزء من سكان قطاع غزة إلى الأردن و جزء اخر إلى مصر ، ليأتي رده صريحا واضحا صلبا بلغة محكمة الجمل و رفضه رفضا تاما ، مؤكدا على الموقف الأردني حيال هذا المقترح .
مكان و توقيت الرد ، له أبعاده و أهدافه ، اذ تدل على حنكة سياسية و رؤية ثاقبة النظر ذات قدرة على تحليل الأحداث و الحالة السياسية ، و أبصار لما هو قادم و مطلوب من اتخاذ خطوات للبدأ بالتخطيط و الاعداد و التحضير للاستعداد لغاية التعامل معه بكل اتزان و اعتدال دون انفعال أو إبداء أي ملامح للقلق .
هي خبرة السنين و اليقين و الثقة بالله و أرث ديبلوماسية مدرسة الراحل الحسين بن طلال رحمه الله تعالى، التي لطالما امتازت بالحكمة و الهدوء و عمق التفكير و ابداع الفكرة و سرعة الحركة لضمان صناعة حالة من الوقاية و الحماية ، تقطع الطريق على اي قرارات سياسية لها تداعيات أو أثار سلبية على الدولة الأردنية كما حدث في الآونة الأخيرة .
الرد و التصريح من قلب عاصمة الديبلوماسية الاوروبية بروكسل مقر البرلمان الأوروبي و معقل الديمقراطية و مركز القرارات السياسية الأوروبية له مغزى كبير و يحمل معاني كثيرة ، حيث صاغ المللك عبارات تصريحاته على الهواء مباشرة من على منبر سياسي ، لتكون بمثابة إجابة في سياق الرد التكتيكي الذكي للتصريح الذي صدر من واشنطن و من على منبر سياسي أيضا دون وجود فارق في التوقيت أو التاريخ ، ثم ليتم الاعلان عن توقيع الشراكة الاستراتيجية بين الاردن و الاتحاد الأوروبي في تاريخ 2025/1/29 قبل تاريخ ميلاد الملك ال 63 بيوم و بحضوره مع القيادات الأوربية ، ليكون التوقيع الأوروبي بالمنح ردا على توقيع المنع الأمريكي .
هذا الاتفاق في بروكسل أيضا رسالة أن الاردن يمتلك من المكانة العالية الرفيعة ، تتيح له الخيارات المتعددة ، يعززها العلاقات الدولية العميقة القائمة على الاحترام المتبادل التي تجعله قادرا على التعامل مع اي ضغوطات تمارس عليه أو قرارات تتعارض مع مواقفه و ثوابته و مصالحه الوطنية السياسية و الاقتصادية، و في رسالة أيضا أنه نذر نفسه لخدمة وطنه و ها هو و شعبه يستقبل عام جديد من عمره بثقة للعبور و المضي قدما .
الاردن دولة محورية في المنطقة، لأسباب عدة أهمها موقعه الجيوسياسي الاستراتيجي ، الاستقرار السياسي لدولة عمرها تجاوز المئوية الاولى الى الثانية بحكم ملكي هاشمي ممتد يوصف بالاعتدال و الاتزان في علاقاته مع عمقه العربي و الإقليمي و اتصالاته و تحالفاته الدولية الخارجية ، و قوة روابط مؤسسة الحكم مع شعبها ، هذا ما جعله يمارس دوره وفق هذا الوصف المحوري الرئيسي و ما يترتب عليه من اتخاذ زمام المبادرة و المشاركة في أحداث سياسية في الماضي و الحاضر ، و خاصة بما يتعلق بملف القضية الفلسطينية و لم تنجح أيمحاولات التجاوز للاردن أو تجاهله في حساب المدخلات و المخرجات لاي معادلة من معادلات الحل السياسي.
هنا تبرز مزايا و سمات القيادة الهاشمية و الريادة في إدارة الحالة أوقات الأزمات و تسخير كل الطاقات و القدرات و العلاقات لتجاوز العقبات و التحديات و الضغوطات التي تمارس في وجه الدولة الأردنية، محاولة رهن قراراتها و مصيرها لصالح مشاريع لا تخدم المصلحة الوطنية .
هي عبقرية القائد الهاشمي في قيادة الديبلوماسية الأردنية التي أثبتت يوما بعد يوم أنها مدرسة على درجة عالية من العبقرية و الحنكة و الحرفية المهنية الوطنية التي اتصفت بديناميكية الثبات على الموقف و مرونة القرارات السياسية التي لا تقدم أي تنازلات لكنها مهارات القياس للمساحة المتاحة و دراسة الساحة التي تجري عليها الأحداث لاختيار موقع و موطأ القدم الثابتة التي تمنحه فرصة الوقوف متزنا صامدا قادرا على حمل الأعباء و المسؤولية الثقيلة ، مسؤولية وطن وشعب و قضية .