المتابع للقاء الأخير بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين ونتنياهو لا بد أن يلحظ بوضوح استهتارًا متزايدًا بالنظام الدولي وقواعده التي حافظت – إلى حد كبير – على الأمن والاستقرار العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، رغم بعض التجاوزات.
الخروج الصريح عن قرارات الأمم المتحدة، سواء في أوكرانيا أو فلسطين أو شرق آسيا، إلى جانب الضغوط على دول مثل كندا وكولومبيا وبنما والنرويج وغزة ومصر والأردن والصين، يعكس تحولات تنذر بعالم مضطرب، تتزايد فيه احتمالات المواجهة والصدام، خاصة في ظل امتلاك البشرية لترسانة من أسلحة الدمار الشامل. وإن أضفنا إلى ذلك انسحاب الولايات المتحدة، كأكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم، من منظمات وهيئات دولية مثل مجلس حقوق الإنسان، والأونروا، واليونسكو، واتفاقيات المناخ، فإن المخاوف من تفكك المنظومة الدولية تصبح أكثر واقعية.
لطالما امتلكت الولايات المتحدة رؤساء تميزوا ببعد النظر السياسي والجغرافي والتاريخي، وأظهروا قدرة على ضبط القوة ضمن رؤية استراتيجية تحافظ على الاستقرار العالمي. أما اليوم، فإنها تدار بعقلية رجل أعمال، تحكمه الصفقات والمصالح المادية البحتة، بعيدًا عن المبادئ التي تقوم عليها العلاقات الدولية، ما يجعل السياسة الأمريكية أكثر براغماتية وميكافيلية، تقوم على مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"، دون اعتبار للتوازنات العالمية أو حقوق الشعوب.
إن هذه الأجواء المشحونة تعيد إلى الأذهان تلك التي سبقت الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث أدى غياب الحكمة وتغليب المصالح الضيقة إلى كوارث إنسانية غير مسبوقة. وفي ظل هذا التوجه، فإن السياسات السطحية التي يرفع لواءها ترامب – تحت شعار وقف الحروب – قد تقود العالم، بوعي أو دون وعي، نحو حروب لا يعلم مداها إلا الله.