"مصلحة شعبي فوق كل الاعتبارات تلك العبارة التي اختزلت جوهر النهج الأردني في إدارة الأزمات، وأصبحت عنوانًا للحكمة والحنكة التي يتمتع بها جلالة الملك المعظم، حفظه الله ورعاه. هذه الجملة ليست مجرد شعار، بل هي نهج ثابت أثبته الأردن على مدار سنوات، وظهر جليًا في المواجهة الدبلوماسية الهادئة ولكن الحاسمة مع الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب.
اللقاء في البيت الأبيض: اختبار للثوابت الأردنية
عندما اجتمع جلالة الملك المعظم مع الرئيس الأمريكي، بدا واضحًا أن هناك محاولات لإحراج الوفد الأردني من خلال وضعه وسط غابة من الميكروفونات والكاميرات، في مشهد استعراضي غير مألوف في البروتوكولات الدبلوماسية. كان الهدف ربما الضغط على الأردن أو إظهاره في موقف ضعيف، لكن الأردن بقيادته الهاشمية، وبما يمتلكه من حكمة وخبرة سياسية، قلب الطاولة، وحوّل الإحراج إلى فرصة للتأكيد على الثوابت الأردنية الراسخة.
لقد كان هذا اللقاء بمثابة إعلان صريح أمام العالم بأن الأردن، رغم كل التحديات الاقتصادية وضغوط السياسة الدولية، يرفض أن يكون طرفًا في أي مشاريع تستهدف الأمن القومي العربي، وأنه سيظل ثابتًا على مبادئه، داعمًا لقضايا الأمة، مهما كانت الظروف.
كرامة لا تُشترى ولا تُباع
أكد جلالة الملك المعظم، مستذكرًا مقولة الملك الباني، أن الأردن قد يواجه أزمات اقتصادية وبطالة، لكن ما لن يسمح به هو المساس بكرامته وسيادته. في زمن أصبح فيه الموقف السياسي سلعة قابلة للمساومة، ظل الأردن استثناءً نادرًا، رافضًا الضغوط، ومؤكدًا أن القرارات المصيرية لا تُتخذ وفق حسابات مادية، بل وفق مصلحة الوطن والأمة.
ولأن المواقف تصنعها الشخصيات القوية، فقد لفت انتباه المتابعين خلال اللقاء الصمت المعبّر لولي العهد، سمو الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، ونظراته الحادة التي حملت رسالة صامتة ولكنها بالغة الدلالة: كرامة الأردن ليست محل مساومة، والقرار الأردني سيبقى نابعًا من الإرادة الوطنية.
دعوة للأكاديميين: درس في القيادة والسيادة
المشهد الذي قدمه جلالة الملك المعظم وولي عهده الأمين في البيت الأبيض ليس مجرد موقف سياسي عابر، بل هو نموذج يجب أن يُدرس في كليات السياسة والإدارة حول العالم. إنه درس في كيف يكون القائد ابنًا لشعبه، وكيف يكون الجيش بقيادة ملك هو أول جنوده.
من هنا، أدعو الأكاديميين والباحثين في العالم إلى دراسة هذه التجربة الأردنية الفريدة، وتسليط الضوء على كيفية حفاظ الدول الصغيرة جغرافيًا، ولكن الكبيرة بمواقفها، على سيادتها وسط عالم متغير يهيمن عليه الكبار.
"مصلحة شعبي فوق كل الاعتبارات عبارة يجب أن تُدرّس، لأنها ليست مجرد كلمات، بل عنوان لمسيرة وطن، وملحمة قيادة، ودليل على أن السيادة الحقيقية لا تُشترى بالمال، بل تُبنى بالمواقف.