في تاريخ 31 مايو 1948، انضم الملازم عبدالمجيد عبدالنبي المعايطة إلى قوافل الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم دفاعًا عن فلسطين، في واحدة من أبرز معارك الدفاع عن القدس، معركة دير اللطرون. وُلِد عبدالمجيد في عام 1924 في مدينة الكرك الأردنية، والتحق بالجيش العربي عام 1938 برتبة جندي ثاني، ليصعد بسرعة عبر الرتب العسكرية نظرًا لشجاعته وحنكته القتالية، حتى أصبح قائدًا لمركز بوليس اللطرون في القدس، حيث شهدت معركة تاريخية خالدة.
معركة دير اللطرون:
في فجر يوم 28 مايو 1948، بدأت القوات اليهودية هجومًا مفاجئًا على مركز بوليس اللطرون، حيث كان الملازم عبدالمجيد المعايطة يقود مجموعة من الجنود الأردنيين ومناضلي عرب النعيمات، في مقدمتهم المناضل نهار السبوع. الهجوم كان عنيفًا ومباغتًا، حيث استخدم اليهود المدرعات من نوع "جنزير" مدعومة بكثافة من المدفعية الثقيلة والمشاة. كانت الساعة متأخرة، لكن الدفاع الأردني بقيادة المعايطة كان شرسًا، ورفض قائد المركز الاستسلام رغم الفارق الكبير في العدة والعتاد.
أثناء اللقاء مع الأب برنار، خوري دير اللطرون، شرح الملازم عبدالمجيد خطط الدفاع عن المركز وأعلن أنه بصدد طلب تعزيزات عسكرية. وقد سعى للحصول على أربع مدرعات إضافية، لكن المكالمة التي أجراها مع القائد حابس المجالي قد تم التنصت عليها من قبل فتاة يهودية كانت مسؤولة عن التقاط المكالمات في المنطقة، وأدى ذلك إلى تحضير الهجوم المفاجئ في تلك الليلة.
دفاع أبطال المركز:
عندما بدأ الهجوم، أظهر الملازم عبدالمجيد صلابة وشجاعة منقطعة النظير. في مواجهة الهجوم العنيف، كان يردد الآيات القرآنية من قبيل "كم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة بإذن الله"، معلنًا التحدي للجنود اليهود الذين حاولوا إخضاعه. ورغم التفوق العددي والعتادي للعدو، واجه الجنود الأردنيون والمدنيون البواسل الهجوم ببسالة. وعندما حاولت المدرعات اليهودية إحراق المركز باستخدام الأوكسجين، تصدى لهم عبدالمجيد بحماسة، ملقيًا القنابل ومرشدًا جنوده للدفاع حتى النفس الأخير.
استشهاده:
استمرت المعركة العنيفة حتى الساعة الخامسة صباحًا، وانتهت بانتصار قوات الدفاع الأردني، حيث أُجبر اليهود على الانسحاب بعد مقتل أربعين جنديًا يهوديًا. ومع ذلك، أصيب الملازم عبدالمجيد المعايطة بجراح خطيرة في معركة لاحقة، عندما انفجرت قنبلة بالقرب منه أثناء استعراضه للقتال مع قائد عسكري آخر في 29 مايو 1948. تم نقله إلى المستشفى العسكري في رام الله، حيث توفي متأثرًا بجراحه في 31 مايو 1948 عن عمر يناهز 24 عامًا.
تكريمه وذكراه:
تلقّى الشهيد عبدالمجيد المعايطة تكريمًا كبيرًا بعد استشهاده، حيث خرجت جنازته من المستشفى العسكري محمولة على الأكتاف، وتقدمتها موسيقى الجيش وثلة من حرس الشرف. وتوالت التهاليل والتكبيرات في شوارع مدينة عمان أثناء مراسم الجنازة. تم دفنه في مقبرة الشهداء في البيرة، وظلت سيرته العطرة مصدر فخر واعتزاز للأمة الأردنية والفلسطينية.
كما قامت أمانة عمان الكبرى بتكريمه بإطلاق اسمه على أحد شوارع العاصمة عمان، في لفتة تذكر الأجيال القادمة ببطل من أبطال العروبة الذين ضحوا بأرواحهم دفاعًا عن فلسطين.
إن استشهاد الملازم عبدالمجيد المعايطة في معركة دير اللطرون ليس مجرد ذكرى تاريخية، بل هو درس في الفداء والشجاعة والإيمان بالقضية. كان من أوائل الجنود الأردنيين الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية الدفاع عن فلسطين بكل ما لديهم من عزم واعتزاز. نحتفل بذكراه كرمز من رموز العز والكرامة، وما زالت سيرته تروي للعالم عن بطولات الجنود الأردنيين الذين سطروا أروع ملاحم البطولة في الدفاع عن القدس وفلسطين.