يدرس الناقد والشاعر المغربي د.حسن بوعجب، ظاهرة التجديد في الشعر العربي الحديث، ابتداء من عصر النهضة العربية إلى الآن، من خلال كتابه الجديد "التجديد في الشعر العربي الحديث.. بين الضرورة الإبداعية والاستلاب".
ولا يقتصر الكتاب، الذي صدر حديثًا عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن (2025)، على ربط التجديد في الشعر العربي الحديث بالاستلاب على نوعه الخارجي، المتمثل في محاولة تقمُّص النموذج الشعري الغربي، بل يتعدى ذلك إلى محاولة استكشاف خطر الاستلاب الداخلي، لمّا يصير التراث الشعري العربي بأعماله الشعرية الخالدة خلفيةً تُخفي صورة الشاعر، وتسلب منه إمكانيات الإبداع وتفرض عليه شروطها ومقاييسها.
وعليه، يقدم الكتاب الذي يقع في 240 صفحة، "استقصاء لمختلف أشكال الاستلاب التي تشوّش على عملية التجديد الحقّة، التي ينبغي أن تكون صادرة عن حاجة جمالية حقيقية تولّد فعَل الإبداع الخلاق، بعيدًا عن موضة استرضاء الموجات النقدية السائدة، وبعيدًا أيضًا عن موضة الاستحداث المجاني التي تفرغ هذه العملية من هدفها الأساس المتمثل في إضافة شيء جديد ومفيد للتراكم الأدبي والحضاري"، وفق ما يشير إليه المؤلف في تقديمه للكتاب.
جاء الكتاب في أربعة فصول، حيث تناول الفصل الأول مفهوم الاستلاب في علاقته بالتجديد والإبداع وعلاقته بمفاهيم كالمثاقفة والاستلهام، وفي الفصل الثاني يعرض المؤلّف بالنقد والتحليل لمؤشرات الإبداع والاستلاب في أهم التجارب الشعرية التجديدية الحديثة، مركزًا مركزين في ذلك على بعض أشعار رواد الحركات التجديدية.
وفي الفصل الثالث يتطرق المؤلّف لواقع نقد التجديد في الشعر العربي الحديث وما عرفه وما يعرفه من إشكالات وأزمات، بالإضافة إلى رصد واقع تلقي التجديد في الشعر العربي الحديث من طرف الفئات المثقفة لقياس مدى أدائه لوظيفته الفنية والإنسانية.
أما في الفصل الرابع والأخير، فيستشرف -على ضوء ما عاشه الشعر العربي وما يعيشه- مستقبل هذا الشعر، خصوصا وأنه قد صار يعتمد دعامات رقمية جديدة، ويشق طريقه إلى الجمهور في ظل حمأة التكنولوجيا ووطأة العولمة.
وفي خاتمة الكتاب يوصي المؤلّفُ الشاعرَ الحديثَ، وهو يحاول الإبداع، بضرورة "أن يتحرر من مختلف أشكال وصنوف الاستلاب، ففرق كبير بين أن يكون مستلهما للتراث وبين أن يكون مستلبا به، وفرق كبير أيضًا بين أن يكون منفتحًا على ثقافة أجنبية وبين أن يكون مستلبًا بها، فالاستلهام المطلوب هو ما يلهم الشاعر القدرة على الإضافة والإبداع وليس ما يجعل منه مالئا لفراغات وقوالب النصوص القديمة، كما أن المثاقفة المأمولة تعني تجسير العلاقة بين الذات والأخر والتشارك معه في تصورات ثقافية محددة وليست تعني أبدا تلك الهجرة الأبدية إلى الآخر إلى حد الذوبان فيه والتماهي معه ومع رموزه الثقافية".
ويضيف في الخاتمة نفسها: "نؤكد بهذا الخصوص على أن الشاعر إذ يجدد ينبغي أن يكون على وعي بأن إنتاجه موجه لإنسان له عقل وله وجدان، وله الحق الطبيعي في الجمال وفي الوصول إلى المتعة أو الوصول إلى الفكرة، وهو الإنسان الذي لابد أن يخفق في قلب الشاعر قبل أي شيء آخر، أي لا بد أن يكون هو من يحتل المرتبة الأولى عنده وليس ما ينظره المنظرون وما تمليه الموضة الشعرية السائدة".
ويتابع بقوله: "فإذا كان القارئ المثقف -كما وقفنا على ذلك في الشق الميداني- من هذا الكتاب لا يتفاعل إيجابا في كثير من الأحيان مع التجديد الشعري المعاصر، فكيف يمكن للإنسان العادي أن يكون له حظ ولو قليل من هذا الشعر؟ أما أن يقال إن الشعر الحديث لا يتوجه إليه ولا إلى الجمهور، فذلك تكبر وضرب صريح في قيم العدالة والمساواة والديموقراطية التي ينادي به الشاعر الحديث، إنه لا يمكن أن يقصي أغلبية القراء العاديين والمفتقرين ويبحث له عن أقلية مثقفة ليوجها لها شعره، فهنا تسقط الديموقراطية وتسقط المساواة ويرتفع صوت الطبقية الثقافية التي تدخل الشعر في مزيد من العزلة بعدما كان ديوان العرب وفنهم الأول".
المؤلّف نفسه من مواليد مدينة إيموزار مرموشة بالمملكة المغربية، سنة 1986، وحصل على الإجازة في الأدب العربي سنة 2007 في كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس، وعلى دبلوم المدرسة العليا للأساتذة بمكناس سنة 2008، وحصل سنة 2017 على ماستر "تفاعل الأدب والثقافة في العالم المتوسطي" من جامعة محمد الخامس بالرباط، وسنة 2023 حصل على شهادة الدكتوراة في الأدب الحديث من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس.
شارك في عدة أنشطة ثقافية بمدن مغربية مختلفة، ونشر العديد من المقالات في مجموعة من المجلات والمواقع الإعلامية المغربية، وهو المشرف العام منذ سنة 2015 على موقع المزهرية الذي يعنى بالتنوع الأدبي والثقافي في المملكة المغربية. يشتغل حاليًا مدرسًا لمادة اللغة العربية في السلك الثانوي التأهيلي بنواحي مدينة الخميسات.