يحلّ شهر رمضان المبارك حاملاً معه عبق الذكريات ومحطات مشرقة من الماضي، حيث تتجلى القيم النبيلة التي غرسها القادة والشخصيات المؤثرة في المجتمع. وفي هذا السياق، تستذكر نيروز الإخبارية مسيرة الشيخ حويله بن عيد بن قمعان الزبن، أحد أعلام قبيلة بني صخر، الذي عُرف بشدته في الحق، وكرمه الذي لم يعرف حدودًا، ودوره الريادي في إصلاح ذات البين وحل النزاعات.
مسيرة الشيخ حويله الزبن.. قوة وهيبة مع حكمة وكرم
وُلد الشيخ حويله الزبن عام 1896 في مضارب بني صخر، ونشأ في بيئةٍ بدوية أصيلة، حيث كان الشرف والكرامة والكرم ميزات تميز أبناء القبيلة. وعُرف منذ صغره بقوة شخصيته وذكائه الحاد، مما أهّله ليكون أحد قادة العشيرة البارزين، حيث اتسم بالحزم في قراراته والعدل في أحكامه.
كانت مجالسه عامرةً برجال القبائل والزوار، ولم يكن يردُّ محتاجًا أو طارق باب، فكان بيته مضافةً مفتوحة للضيوف من مختلف المناطق، يحرص على إكرامهم وفق العادات البدوية العريقة. كما كان له دور بارز في حل الخلافات العشائرية، حيث لجأ إليه الكثيرون لحكمته في إصلاح ذات البين، ولمعرفته العميقة بأصول القضاء العشائري الذي كان يحظى بمكانة مرموقة في ذلك الوقت.
رمضان في حياة الشيخ حويله الزبن.. طقوس وروحانية وكرم بلا حدود
لم يكن رمضان عند الشيخ حويله الزبن كغيره من الشهور، فقد كان مناسبةً عظيمةً يُظهر فيها أسمى معاني الكرم والتلاحم الاجتماعي. كان مجلسه يمتلئ كل يوم بالمحتاجين والمساكين وعابري السبيل، حيث كان يحرص على توفير الطعام للجميع، مؤمنًا بأن الكرم في رمضان له ثوابٌ مضاعف.
وكانت مائدته تُضرب بها الأمثال، إذ لم يكن الإفطار لديه مجرد وجبة طعام، بل كان طقسًا يجسد قيم البداوة الأصيلة، حيث كان يبدأ بفنجان القهوة العربية قبل الأذان، ثم يتلوه التمر واللبن، ليكون بعدها الإفطار عامرًا بالأطباق التقليدية الأردنية.
ولم يكن كرم الشيخ الزبن مقتصرًا على الطعام، بل كان يشمل العون والدعم لكل محتاج، حيث كان يحرص على توزيع المساعدات على الفقراء في رمضان، سواء من خلال تقديم المواشي أو المساعدات العينية التي تعين العائلات على تلبية احتياجات الشهر الفضيل.
إرث خالد.. ودروس تستمر عبر الأجيال
استمر تأثير الشيخ حويله الزبن حتى بعد وفاته عام 2006، حيث بقي اسمه محفورًا في ذاكرة أبناء بني صخر والأردنيين عمومًا، لما قدمه من تضحياتٍ وعطاءٍ لمجتمعه. واليوم، تستذكره "نيروز الإخبارية" كشخصيةٍ وطنيةٍ بارزة، كان لها بصمةٌ لا تُمحى في مسيرة العشائر الأردنية، وفي تعزيز قيم التكافل الاجتماعي التي يزدان بها رمضان.
لقد ترك الشيخ الزبن إرثًا إنسانيًا كبيرًا، فظلّت قصص كرمه تتناقلها الأجيال، وبقيت سيرته تُروى في المجالس، كواحدٍ من رموز الكرم والنخوة والإصلاح. ومع حلول شهر رمضان، يجدُر بنا أن نتأمل في سيرته، ونستلهم منها الدروس التي تعزز التلاحم والتآخي بين أفراد المجتمع، تمامًا كما كان يفعل طوال حياته.
رمضان فرصةٌ لاستذكار العظماء
إنّ شهر رمضان ليس مجرد شهر للصيام، بل هو موسمٌ لاستحضار القيم العظيمة التي جسّدها الرجال الأوفياء، أمثال الشيخ حويله الزبن. وفي هذه الأيام المباركة، تبقى ذكراه حيّةً في القلوب، تُلهم الأجيال لمواصلة درب العطاء، وتؤكد أنّ الخير لا يموت، بل يظل حيًّا في النفوس، متجذرًا في القيم، ومُخلدًا في ذاكرة الوطن.