في الحادي والعشرين من آذار، تتلاقى مناسبتان عظيمتان في الوجدان الأردني: يوم الكرامة، ويوم الأم. قد يبدو للوهلة الأولى أن لا رابط بينهما، لكن الحقيقة تقول غير ذلك، فالأم هي منبع الكرامة، وهي التي تصنع الأبطال، وتغرس فيهم قيم الشجاعة والتضحية.
يوم الكرامة ليس مجرد ذكرى لمعركةٍ خاضها الجيش العربي الأردني عام 1968، بل هو رمزٌ للصمود والشرف، حيث أثبت الجنود الأردنيون أن الإرادة القوية قادرة على هزيمة أعتى الجيوش. في ذلك اليوم، ارتوت الأرض بدماء الأبطال الذين دافعوا عنها بكل ما يملكون، تمامًا كما تبذل الأمهات أرواحهن في سبيل أبنائهن. فالجندي الذي حمل السلاح في تلك المعركة، نشأ في حضن أم علّمته أن الوطن ليس مجرد مكان، بل هو كرامة لا تُباع ولا تُشترى.
أما يوم الأم، فهو تكريمٌ لمن كانت دائمًا في الصفوف الأولى، ليس في ساحات القتال، بل في ساحات التربية والتنشئة. فالأمهات لم يقدن الجيوش، لكنهن أنجبن القادة، ولم يحملن البنادق، لكنهن حملن القيم التي جعلت أبناءهن مستعدين للموت دفاعًا عن الأرض والعرض. عندما ودّعت أمهات الشهداء أبناءهن في صباح الكرامة، لم يكن وداع ضعف، بل كان توديعًا لفارسٍ خرج من بيته ليصنع مجد الوطن.
الكرامة لا تُكتسب في ميادين القتال فقط، بل تبدأ منذ اللحظة التي تهمس فيها الأم في أذن طفلها أن يكون عزيز النفس، شريف المبادئ، قوي الإرادة. فكما أن الجندي يحمي حدود الوطن، تحمي الأم حدود القيم، وتصنع رجالًا لا يرضون بالهزيمة.
اليوم، ونحن نحيي ذكرى الكرامة، لا ننسى أن نحيي أمهات الأبطال، وأمهات الشهداء، وأمهات هذا الوطن كلهن، لأنهن الأساس الذي قامت عليه هذه الأمة.
لذلك في هذا اليوم نقف احتراماً لمن حملوا السلاح دفاعًا عن أرضنا ولمن حملوا في أحشائهن قبل أن يحملننا على اكتافهن فالنصر الذي تحقق في معركة الكرامة لم يكن ليتحقق لولا أمهات أنجبن رجالاً لا يهابون الموت والأم التي تربي جيلاً يعرف معنى البطولة والتضحية تجاه الوطن
فكل عام وجيشنا بألف كرامة، وكل عام وأمهاتنا بألف خير، فبدونهن لا عزّة ولا نصر.