في كل عام، يحيي الأردنيون ذكرى معركة الكرامة، تلك المعركة التاريخية التي أسفرت عن انتصار عظيم في وجه الاحتلال، وأظهرت أسمى معاني التضحية والفداء. ولكن في هذا اليوم، لا نكتفي بالاحتفال ببطولات الجيش العربي الأردني فحسب، بل نخصص أيضًا جزءًا من هذا اليوم لنتذكر الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداءً لهذا الوطن. من هؤلاء الأبطال، الذي تستحق ذكرى شهادته أن تخلد في ذاكرة الأجيال، الشهيد مصطفى عوض محمد أبو طالب.
نشأة الشهيد وطفولته
وُلد الشهيد مصطفى عوض محمد أبو طالب في عام 1945 في مدينة السلط، التي كانت وما زالت تعد من أهم المدن الأردنية التاريخية. نشأ مصطفى في بيئة مليئة بالقيم الوطنية، حيث كانت مدينة السلط تعرف بتاريخها الحافل ونضال أبنائها ضد الظلم والاستعمار. منذ صغره، كان مصطفى يعتنق المبادئ الوطنية التي تمثل في شرفها الدفاع عن الوطن والكرامة، وهو ما جعله ينشأ على حب هذا الوطن والاعتزاز بترابه.
انضمامه إلى صفوف القوات المسلحة الأردنية
لم يكن الشهيد مصطفى مجرد شاب عادي، بل كان يحمل في قلبه حلم الدفاع عن وطنه وحمايته من أي تهديد. في عام 1965، انضم مصطفى إلى القوات المسلحة الأردنية، حيث أظهر قدرات متميزة في التدريب العسكري وأثبت ولاءه الكامل للجيش الأردني. كان الشهيد مصطفى عوض محمد أبو طالب مثالًا للشجاعة والانضباط العسكري، وقد تميز بين زملائه بإصراره على أداء الواجب بكل إخلاص وتفانٍ.
معركة الكرامة والشهادة
في عام 1970، وفي مرحلة حاسمة من الصراع العربي الإسرائيلي، كان الشهيد مصطفى أبو طالب جزءًا من القوات المسلحة الأردنية التي خاضت معركة الكرامة ضد الاحتلال الإسرائيلي. في تلك المعركة، التي كانت تعتبر نقطة تحول كبيرة في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، سطر الجيش الأردني أروع ملاحم البطولة.
بينما كانت القوات الإسرائيلية تحاول فرض سيطرتها على الأراضي الأردنية، كان الشهيد مصطفى وزملاؤه من الجنود يقفون بكل شجاعة في وجه هذا الاحتلال، مدافعين عن الوطن بدمائهم وأرواحهم. استشهد مصطفى في تلك المعركة، ولكن دماءه الطاهرة كانت بمثابة شعلة أضاءت درب الحرية، وأكدت للعالم أجمع أن الشعب الأردني لا يلين ولا يرضخ للظلم.
تضحياته وإرثه البطولي
رحل الشهيد مصطفى عوض محمد أبو طالب في عام 1970، لكن ذكراه ما زالت حية في قلوب الأردنيين. لقد ترك خلفه إرثًا من التضحية والفداء، وكان أحد الأبطال الذين عبروا عن معنى الكرامة الحقيقية في أدق معانيها. إن تضحياته تظل بمثابة درس للأجيال القادمة في أهمية الوقوف في وجه العدوان والدفاع عن الوطن بكل غالي ونفيس.
الشهيد في ذاكرة الأردنيين
تحتفل المملكة الأردنية الهاشمية في يوم الكرامة ليس فقط بالانتصار العسكري العظيم، بل أيضًا بتكريم الشهداء الأبرار الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الوطن. وقد أصبح يوم الكرامة مناسبة وطنية تذكر الأردنيين بكل من قدم حياته على مذبح الوطن، وفي مقدمتهم الشهيد مصطفى عوض محمد أبو طالب.
إن ذكرى الشهداء لا تمحى من ذاكرة الأمة، بل تبقى خالدة في كل زاوية من هذا الوطن، تذكرنا دائمًا بأن الحرية والكرامة لا تُهدى، بل تُنتزع بالتضحيات والدماء. وفي يوم الكرامة، نرفع رؤوسنا فخرًا واعتزازًا بشهدائنا الذين ضحوا من أجل وطنهم وأرضهم.
كلمات خالدة
في هذا اليوم، تتجدد مشاعر الفخر والاعتزاز بكل شهيد من شهداء الأردن، وفي مقدمتهم الشهيد مصطفى عوض محمد أبو طالب. فكل عام ونحن نحتفل بيوم الكرامة، نحتفل بمجد هذا الوطن الذي صُنع بدماء أبنائه. ونحن اليوم أكثر إصرارًا على المضي قدمًا في مسيرة البناء والتقدم، نستذكر أن الأوطان لا تبنى إلا بالتضحيات العظيمة، وأن الكرامة لا تهدى، بل تُستحق بكل فخر واعتزاز.
رحم الله الشهيد مصطفى عوض محمد أبو طالب، وكل شهداء الأردن الأبطال الذين بذلوا أرواحهم فداءً للوطن، وأسكنهم فسيح جناته.