في الحادي والعشرين من آذار عام 1968، سطّر الأردن واحدة من أعظم ملاحم العزة والكرامة، حين تصدى جيشه الباسل للعدوان الإسرائيلي في معركة الكرامة، ليكون هذا اليوم شاهدًا على بسالة الجنود الأردنيين وإرادتهم الصلبة في الدفاع عن أرضهم. لم تكن الكرامة مجرد معركة عابرة، بل كانت انتصارًا لإرادة الحق على قوة الباطل، ورسالة واضحة بأن الأرض التي تُروى بالدماء لا تُدنّسها أقدام الغزاة.
لقد جاءت الكرامة بعد نكسة عام 1967، في وقت كان فيه العالم العربي يرزح تحت وطأة الهزيمة، لكنّ الأردن أثبت أن الهزيمة ليست قدرًا محتومًا، وأن الإيمان بالقضية قادر على تحقيق النصر. فقد وقف الجيش العربي الأردني بقيادته الحكيمة في وجه العدو، وأفشل مخططاته، وأجبره على التراجع مخلفًا وراءه الخسائر والهزيمة، ليكون ذلك اليوم ميلادًا جديدًا للعزة العربية.
إن معركة الكرامة لم تكن انتصارًا عسكريًا فحسب، بل كانت انتصارًا للروح الوطنية التي تجلّت في وحدة الشعب والجيش والقيادة. فقد رسم الأردنيون في ذلك اليوم لوحة من التضحية والفداء، وأثبتوا أن الوطن يُحمى بسواعد أبنائه وإيمانهم بقضيته. وقد ظل هذا الدرس خالدًا في وجدان الأمة، يؤكد أن الكرامة الوطنية لا تُوهب، بل تُنتزع بالتضحيات.
واليوم، ونحن نحيي ذكرى الكرامة، فإننا لا نقف عند حدود الماضي، بل ننظر إليها كنموذج يُلهم الأجيال القادمة. فالكرامة ليست حدثًا يُستذكر كل عام، بل هي قيمة راسخة يجب أن تبقى حيّة في وجدان كل أردني وعربي، ليكون هذا الوطن دائمًا محصنًا بالعزيمة والإرادة التي لا تعرف الخضوع.