يغدق قاموس اللغة العربية بمعانٍ تتسع ولا تضيق في تفسير معنى الكرامة، فهي الجود، والسخاء، ونُبل الأخلاق، وسموّ النفس. لكنني أعرفها وأعيشها بشكل مختلف، كابنة للأردن، وأضيف لمعانيها اسم وطني وأفعال أهله التي كانت ولا تزال صنواً للكرامة.
أرى الكرامة في الأردنيين وهم يتسابقون لبذل الغالي والنفيس لأجل غزة، فأتذوقها بطعم مختلف، وأعلم أننا شعب بارٌّ بإرث أجداده. رأيت الكرامة الأردنية مبكراً في العام 1920، يوم وقف كايد مفلح العبيدات في وجه الاحتلال، وسُطّرت دماؤه كأول شهيد أردني على أرض فلسطين. سمعتها في صوت الشيخ قويدر العبيدات حين أرسل ذهباً للقسام بدلاً من بيع فرسه، وأدركتها في كلمات الشيخ ناجي العزام وهو يحثّ العشائر على مقارعة الظلم.
رأيتها مجسدةً في محمد حمد الحنيطي عندما ردّ على كلوب باشا قائلاً: "قبلكم لم تكن هناك حدود بين الأردن وفلسطين.. دفاعي عن حيفا هو دفاع عن قريتي أبو علندا". ولمستها في كلمات عبد الله التل وهو يخاطب جنوده ليلة المعركة: "إن مصير العالم العربي يتوقف على ثباتكم وشجاعتكم".
عرفت الكرامة الأردنية وأنا أغني مع نساء القدس لحابس المجالي وهو يعبر بجيشه في اللطرون وباب الواد، وعرفتها حين حفظت أسماء 39 معركة خاضها الجيش العربي من أجل فلسطين، وكيف لم تتسلل إلى مناهجنا؟
عرفتها في عين الصقر أحمد دوجان الحياري الذي ترك منجل الحصاد ليلتحق بالمجاهدين، وفي ماجد باشا العدوان الذي تحدّى تهديدات الإنجليز وأمَّ المسلمين في الأقصى. لمستها في حكاية العريس محمد هويمل الزبن الذي قطع إجازة زواجه ليشارك في معركة الكرامة، واستشهد بعد أن أعطب أربع دبابات صهيونية.
وجدت الكرامة الأردنية في نساء عيرا ويرقا وهن يشحمن المدافع بالسمن البلقاوي بعد قصف العدو لمخازن الزيوت، وفي نايفة المواجدة التي أعطت زوجها الشهيد أجرة الطريق من نقوط عرسها إلى معركة الكرامة.
وأقرأها اليوم في رسالة الشهيد فرحان الحسبان إلى ابنته، وهو يوصيها أن تعتز باسمه، قائلاً: "سأستشهد وأنا مقبل، وليس مدبراً".
هكذا عرفت معنى الكرامة الأردنية، لا في القواميس، بل في الميدان، في التضحية، في الجهاد، في حكايات الأبطال الذين سطّروا بدمائهم مجداً لا يزول.