يوم الكرامة رمز البسالة والشهامة ، أبطالها جنود الأردن الجحاجح الشم الانجاد ،وفرسانها النشامى الأشاوس الاجواد
يوم أثبت أن جنود الأردن لهم عزم لا يلين ، وفي حمى وطنهم أنهم الدرع الحصين ، وفي الذود عن ديارهم باسلين وشامخين وهم الغر الميامين ،فأسطورة الجيش الذي لا يقهر تقهقرت، ومعاني البسالة والإقدام تسطرت.. وارضها بالدم والتراب تعطرت.
ففي فجر الحادي والعشرين من آذار، عامَ ألفٍ وتسعمئةٍ وثمانيةٍ وستين، تدفّق نورُ الشروق على ضفاف نهر الأردن، حاملاً معه نسماتٍ تختلط برائحة الترابِ المبلّل بالندى، والحديدِ المُشبع بروح التحدي. كانت السماءُ صافيةً كقلوبِ الرجال الذين انتظروا، ببنادقهم وأحلامهم، لحظةَ المواجهة التي ستُعيد كتابةَ تاريخٍ طالما نزفَ كرامةً وأملاً.
هنا، في أرضِ الكرامة، حيث تُلامس حجارةُ الوادي همساتُ التاريخ، اصطدمت إرادةٌ بصلابةِ الجبال، بإرادةٍ أخرى تبحث عن مجدٍ ضائع. جاءت قواتُ الاحتلالِ مُحمّلةً بغطرسةِ الانتصارات السابقة، تحملُ دباباتها صفيرَ الرصاصِ وهديرَ الموت، لكنها لم تحملْ حساباً لِقلبٍ ينبضُ تحتَ السماءِ الأردنية، قلبٍ يجمعُ دمَ الجنديِّ الأردنيِّ والمقاوم الفلسطيني في شرايينِ معركةٍ واحدة.
اندلعتِ النيرانُ كعاصفةٍ هوجاء، والتحمَ الحديدُ باللحمِ والدم. لم تكن معركةَ أرقامٍ أو أسلحةٍ فحسب، بل كانت معركةَ إراداتٍ تُختزل في ثوانٍ تُقرّر مصيرَ قرون. الرصاصُ يُنهي حياةَ البعض، لكنه يُطلق صرخةَ الحياةِ في أعماقِ البعض الآخر. الجنديُّ الأردنيُّ، كالسنديانةِ المتجذرةِ في أرضِ الوطن، صمدَ بوجهِ العاصفة، بينما الفلسطينيُّ، كالسهمِ الأخيرِ في كنانةِ الأمّة، انطلقَ يُعيدُ رسمَ حدودِ الكبرياء.
لم تكن السماءُ تشهدُ إلا أبطالاً: هذا يقاتلُ وهو يذكرُ اسمَ وطنه، وذاك يسقطُ وهو يُغمغمُ باسمِ فلسطين. الدمُ الأردنيُّ والفلسطينيُّ يمتزجان في ترابِ الكرامة، نهرٌ واحدٌ يصبُّ في بحرِ الحرية. الدباباتُ تُحطَّمُ بإيمانِ من لا يخشون إلا الله، والطائراتُ تُجارُّ بشررِ المقاومةِ التي لا تنطفئ.
عندما غربت شمسُ ذلك اليوم، كان النصرُ يُرفرفُ كعلمٍ ملوّحٍ فوقَ الجرحِ العميق. لم تكن الكرامةُ مجرّدَ انتصارٍ عسكريٍّ، بل كانت إيذاناً بميلادِ كبرياءٍ شرقيٍّ يرفضُ الانكسار. أرضُ الأردن، التي احتضنت الدمَ والدمعَ، صارت مهداً لأسطورةٍ تُروى: أسطورةِ رجالٍ حوّلوا الهزيمةَ إلى إرادة، والخوفَ إلى صمود.
اليوم، بعدَ عقودٍ، ما زالَ ترابُ الكرامةِ يُحدّثُ كلَّ غريبٍ عن يومٍ لم تُهزمْ فيه الأرضُ، ولم يسقطْ فيه الإنسانُ. معركةٌ لم تكن آخرَ الحروب، لكنها كانت أولَ الانتصارات التي تُعلّمُ العالمَ أن الكرامةَ تُولدُ من رحمِ الظلم، وأن شعباً يُضحّي بدمِه لغدِه، لا بدَّ أن يُشرقَ فجرُه.