لم يكن يتوقع الشاويش محمد حنينان العون السردية من صبحا أن يجد نفسه فجأة على رأس قيادة فئة كاملة من إحدى سرايا كتيبة الدروع الخامسة – اللواء المدرع 60، لكن في أتون معركة الكرامة، لا مكان للانتظار، ولا وقت للتردد، فاللحظة تختارك قبل أن تختارها.
في خضم القتال، استشهد الملازم أول محمد هويمل الزبن، فجاء الأمر سريعًا وحاسمًا: "الشاويش محمد، استلم القيادة… تقدم!" لا مجال للسؤال، لا وقت للتفكير… بندقية العدو أمامه، والشهادة خلفه، والأرض تحترق تحت أقدام الجميع!
"خلقنا لهذا الموت بشرف، لا الحياة بذلّة!"
يقول محمد العون: "ضربنا ثلاث دبابات للعدو، ثم صدر لي أمر بالاندفاع إلى الأمام، كانت دبابتي في المقدمة، وعلى يميني حقل ألغام، والطريق لا يتسع إلا لمركبة واحدة. كنا نتحرك تحت القصف، والطائرات الإسرائيلية تحلق فوق رؤوسنا، لكننا استخدمنا الأشجار الكثيفة للتستر، وكنا نقارع العدو وجهاً لوجه."
جاء الرد صارمًا من العميد المتقاعد محمود أبو وندي: "اثبتوا في أماكنكم… خلقنا لهذا الموت بشرف، لا الحياة بذلّة!"
فأخذ محمد العون الجهاز اللاسلكي وردد ثلاث مرات: "إلى الأمام… العدو أمامكم… لن أتراجع، ولو كنت وحدي!" ثم أطلق ثلاث تكبيرات، وزغرد عبر الجهاز ثلاث مرات أخرى، وكأن المعركة تحولت إلى زفّة شهادة!
"أقسمت بالله أن آخذ بثأره"
وسط لهيب النيران، وصوت الدبابات المتهاوية، جاءه نداء من شاويش في لواء حطين مشاة: "النقيب فاضل علي فهيد مصاب تحت شجرة!" لم يتردد، أرسل الإحداثيات، وصلت المجنزرة، نقلوه إلى الداخل… كانت أمعاؤه خارج جسده، ينظر إليهم لكنه لا يقوى على الكلام، حينها همس محمد العون في أذنه: "أقسم بالله أن آخذ بثأرك، وثأر كل شهيد وجريح!"
وكأن السماء سمعت قسمه، فأدار مدفعه نحو دبابة العدو، وضربها ضربة مباشرة، ثم باغت الدبابة التي جاءت لإنقاذها، فكان الانفجار المدوي… وها هم جنود الاحتلال يتساقطون كأوراق الخريف، فيما قائد الكتيبة المعادية المقدم أهارون بلت يستنجد عبر الجهاز… لكن لا أحد يسمع، ولا أحد يجيب!
48 ساعة تحت القيادة… حتى آخر طلقة!
عند مغيب الشمس، كان العدو ينسحب، وكانت الرايات الأردنية ترفرف فوق الأرض المحررة. لكن المهمة لم تنتهِ، فقاد محمد العون الفئتين الثانية والرابعة إلى منطقة الخنادق الرئيسة تحسبًا لهجوم معاكس، وظل يقاتل 48 ساعة متواصلة حتى أعيد تنظيم الكتيبة.
ولأن الشجاعة لا تذهب سدى، فقد منحه الملك الحسين بن طلال وسام الإقدام العسكري (الشجاعة)، ليبقى اسمه محفورًا في ذاكرة معركة الكرامة، وليبقى درسًا لكل جندي: المعركة تختار أبطالها، والشهادة تفتح بابها لمن يستحق!