حين تُذكر البطولة والتضحية، يقف التاريخ إجلالًا لرجال سطروا بدمائهم صفحات العزة والمجد. ومن بين هؤلاء الرجال الشرفاء، يبرز اسم عقلة عوض القعور المريشد الزبيدي (أبو عبد الله)، الذي كان مثالًا للفداء والإخلاص للوطن، مقاتلًا صلبًا في صفوف الجيش العربي، ورمزًا للرجولة في أوقات الشدة.
حارس الأرض.. وصوت المدافع في وجه العدوان
منذ أن انضم إلى صفوف القوات المسلحة الأردنية، أدرك أبو عبد الله أن الدفاع عن الأرض شرفٌ لا يضاهيه شرف. فلم يكن جنديًا عاديًا، بل كان واحدًا من الذين حملوا أرواحهم على أكفهم، واستعدوا للموت في سبيل الوطن.
في عام 1967، عندما اجتاح الاحتلال الإسرائيلي الأراضي العربية، كان أبو عبد الله في مقدمة الصفوف، يقاتل بشجاعة وإيمان، مدافعًا عن ثرى الأردن وفلسطين. لم يترك سلاحه ولم يتراجع، بل ظل صامدًا، رغم قسوة الظروف وفارق القوة العسكرية.
ولكن الحدث الذي نقش اسمه في سجل الخالدين كان مشاركته في معركة الكرامة عام 1968، تلك المعركة التي كسرت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وأثبتت أن الإرادة والعزيمة قادرتان على تغيير مسار التاريخ. كان أبو عبد الله من بين الرجال الذين واجهوا العدو الإسرائيلي بكل بسالة، وأذاقوه طعم الهزيمة لأول مرة، ليسجل الأردن نصرًا أذهل العالم.
رجل التأسيس.. والمقاتل الذي لا يعرف المستحيل
لم يكن أبو عبد الله محاربًا في المعركة فقط، بل كان من المؤسسين للفرقة الخامسة في الجيش العربي الأردني، حيث عمل على بناء قوة عسكرية متماسكة، تمتلك القدرة على التصدي لأي خطر يهدد الوطن. وكان انضباطه وتفانيه نموذجًا يُحتذى به في صفوف القوات المسلحة.
كما كان له دور بارز في كتيبة الإمام علي/8 في القدس، حيث خدم هناك بكل فخر، مدافعًا عن المدينة المقدسة، وحاملًا على عاتقه مسؤولية حماية المسجد الأقصى من أي اعتداء. لم يكن يرى في القدس مجرد مكان، بل عقيدة وواجبًا مقدسًا.
الوفاء لأهل الوفاء.. اعترافٌ بتضحيات الكبار
اليوم، ونحن نعيش في ظل الأمن والاستقرار الذي صنعه أمثال أبو عبد الله، لا يسعنا إلا أن نقف وقفة إجلال وإكبار له ولكل رفاقه من المتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى، الذين ضحوا بالغالي والنفيس ليظل هذا الوطن شامخًا حرًا.
في يوم الوفاء للمتقاعدين العسكريين، نُجدد العهد بأن تضحيات هؤلاء الأبطال لن تُنسى، وأن ذكراهم ستبقى منارة تُضيء طريق الأجيال القادمة.
تحية لصقور الأردن.. وللرجال الذين لا يموتون في ذاكرة الوطن
لن يكون هناك وطن دون رجال يحملون همَّه ويدافعون عنه، وأبو عبد الله كان واحدًا من هؤلاء الرجال. واليوم، إذ نستذكر مسيرته الحافلة بالعطاء، نؤكد أن البطولة ليست لحظة في التاريخ، بل هي مسيرة مستمرة، يحمل لواءها كل من يؤمن بأن الأرض كرامة، وأن الأردن يستحق أن يُدافع عنه بكل ما أوتي الإنسان من قوة.
رحم الله عقلة الزبيدي، وحفظ الأردن وقيادته وشعبه، وجعل تضحيات أبطاله شعلة لا تنطفئ أبدًا.