بدايةً، نذكر أن النسب لا يُقدِّم ولا يُؤخِّر في صلاح المرء أو فساده، فلا يجعل الرفيع وضيعا، ولا الوضيع رفيعًا، فإن مدار النجاة على الإيمان والعمل الصالح، والنسب لا يُغني عن العمل. قال الله تعالى:
ونبدأ مقالنا بأعظم الأنساب شرفًا وأكثرها عطاءً، وهو نسب سيد المرسلين، الهاشمي القرشي، محمد ﷺ، رسول الإسلام العظيم، الذي تبارى كتّاب ومفكرو الغرب والشرق في الإشادة بأخلاقه العظيمة، وإنجازاته الحضارية الكبيرة، وعطائه الإنساني المتواصل. كان أشرف العرب نسبًا، وأكثرهم عطاءً، فقد اصطفاه الله من بين أشرف خلقه ليكون أعظم وآخر رسله.
يقول ﷺ، فيما رواه الإمام مسلم: «إن الله اصطفى من ولد إبراهيم "إسماعيل”، واصطفى من ولد إسماعيل "بني كنانة”، واصطفى من بني كنانة "قريشًا”، واصطفى من قريش "بني هاشم”، واصطفاني من بني هاشم».
وأعظم فائدة أن تعرف نسب سيد الأنبياء والمرسلين، محمد عليه الصلاة والسلام. إنه:
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ﷺ.
الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أرسل الله رسوله محمدًا ﷺ إلى جميع الثقلين بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا. أرسله بالهدى والرحمة ودين الحق، وسعادة الدنيا والآخرة لمن آمن به وأحبه واتبع سبيله ﷺ. ولقد بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فجزاه الله عن ذلك خير الجزاء وأحسنه وأكمله.
وطاعته، وامتثال أمره، واجتناب نهيه، من أهم فرائض الإسلام، وهي المقصود من رسالته. والشهادة له بالرسالة تقتضي محبته، واتباعه، والصلاة عليه في كل مناسبة وعند ذكره؛ لأن في ذلك أداءً لبعض حقه ﷺ، وشكرًا لله على نعمته علينا بإرساله ﷺ.
الحلف وأسباب اختلاط وضياع الأنساب
إن الاختلاف والتناقض في أخبار القبائل كان منذ القِدَم، فتباعدت واختلطت على الناس الأنساب والأصول الحقيقية. وهذا الاختلاط والابتعاد يسمى التداخل، وكذلك دخول بعض البطون بتحالفات مع القبائل، لا تمتّ لها بصلة نسب، نتيجةً للمجاورة في المساكن والديار، فتفرض عليهم ضرورة التعايش، إلى أن يكونوا يدًا واحدة على ما سواهم.
لا بد من الإشارة هنا إلى حالة عشائرية ومرض اجتماعي منتشر بكثرة، وهو زيادة أفراد القبيلة عن طريق ضم عشائر لا تمتّ إليها برابطة دم، ولا نسب، ولا حتى بالحلف. حيث نجد بعض الشيوخ والوجهاء، وبدون أي وجه حق أو حتى معرفة، يضمون تلك العشيرة إلى قبيلتهم لأسباب مادية، أو اجتماعية، أو سياسية. بل نجد البعض يبحث عن تشابه الأسماء حتى يثبت صلة القرابة!
لا ننكر وجود التحالف بين القبائل، لكن الحديث هنا عن عشيرة متباعدة جغرافيًا، وتاريخيًا، ونَسَبيًا.
مثال على ذلك:
يأتي أشخاص إلى شيخ القبيلة أو أحد الوجهاء، فيقولون له: "نبحث عن نسبنا، ولا نعرف أنفسنا حتى الجد الخامس أو السادس، ونسكن في المنطقة الفلانية، وجاء جدنا منذ (١٠٠ سنة) أو أكثر إلى تلك المنطقة، ولا يوجد ما يربطنا بأي قبيلة”.
فنجد، وبدون تحقيق تاريخي ونَسَبي، وبلا بحثٍ أو العمل بضوابط إثبات النسب شرعًا وعُرفًا، أن الشيخ يقول لهم فورًا: "أنتم منا!” ثم يتم اختلاق قصة لا تمتّ إلى الواقع النَّسَبي أو التاريخي بصلة! كيف حصل ذلك؟ الله أعلم!
لذلك، لا بد من اتقاء الله في هذا الأمر، فلا يجوز ذلك لا شرعًا ولا عُرفًا، فقد حذّر النبي ﷺ من انتساب الرجل إلى غير أبيه أو غير مواليه.
أهم أسباب ضياع الأنساب:
1.أن هناك بعض القبائل أصولها من غير العرب.
2.تحضّر بعض القبائل العربية وسكناهم في المدن والقرى.
3.اشتغال بعض القبائل بمزاولة المهن، كالزراعة والصناعة، مما أدى إلى اندماجهم في مجتمعات مختلفة.
4.أن أنساب العرب قديمًا كانت تُحفَظ في الصدور والذاكرة العربية، ولم تكن لتستوعب أنساب مئات القبائل وملايين البشر.
5.أن العرب كانت تُغيّر أنسابها تبعًا للظروف السياسية التي تعيشها.
6.أن بعض قبائل العرب كانت تدخل في تحالفات مع قبائل أقوى منها، وبمرور الزمن تذوب القبائل الضعيفة، وتصبح جزءًا من القبائل القوية ونَسَبها.
7.أن بعض العرب لم يكونوا يأنفون من أن يُنسب إليهم أولاد غيرهم، أو أن ينسبوا أنفسهم إلى آباء غير آبائهم.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما كتبنا، ويوفقنا لما يحب ويرضى. ونسأله أن يفقهنا في ديننا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا، ويزيدنا علمًا وعملًا صالحًا يرضيه تعالى عنّا.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا، وحبيبنا، وسيدنا، وخير خلقك، ومولانا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم آمين