في سجل الرجال العظماء الذين خدموا الأردن بإخلاص، يبرز اسم معالي محمد نزال العرموطي، الذي حمل على عاتقه مسؤولية بناء الدولة وتعزيز حضورها السياسي والدبلوماسي، ليبقى اسمه محفورًا في ذاكرة الوطن كأحد أعمدته الراسخة.
مسيرة علمية رصينة وبدايات واعدة
وُلد العرموطي في منجا قضاء مادبا بتاريخ 16 يوليو 1924، وترعرع في بيئة أردنية أصيلة، تشبع بروح المسؤولية والعمل العام منذ الصغر.
تلقى تعليمه في عمان والسلط، قبل أن يكمل دراسته الجامعية في جامعة دمشق وجامعة إكستر في المملكة المتحدة، حيث حصل على درجة البكالوريوس في الحقوق عام 1946، ما أهّله ليكون أحد أبرز رجال القانون والإدارة في الأردن.
إسهامات قيادية في الإدارة الأردنية
بدأ العرموطي حياته المهنية موظفًا حكوميًا، وسرعان ما تدرج في المناصب الإدارية حتى شغل منصب أمين عام وزارة الداخلية، حيث أشرف على إدارة الملفات الحساسة، وأسهم في رسم السياسات الأمنية والإدارية للدولة.
كما كُلف من قبل جلالة الملك الحسين بن طلال عام 1963 بالإشراف على الانتخابات النيابية في الضفتين، في مرحلة مفصلية من تاريخ الأردن السياسي.
محافظ في عدة مناطق ومهندس الأمن والإدارة
بين عامي 1955 و1961، تولى العرموطي منصب محافظ في عدد من المحافظات الأردنية، منها الخليل، إربد، الكرك، معان، نابلس، والسلط، حيث كان له دور بارز في ترسيخ سيادة القانون وتعزيز الاستقرار الإداري في مختلف أرجاء المملكة.
وزير الداخلية.. حارس الأمن وصانع القرار
في العام 1964، تولى معالي محمد نزال العرموطي وزارة الداخلية، ليكون مسؤولًا عن الملف الأمني والإداري في مرحلة دقيقة من تاريخ الأردن.
وتميزت قيادته بالحزم والمرونة، حيث عزز الأمن الداخلي وأشرف على تطوير المؤسسات الأمنية، واضعًا أسسًا قوية للحوكمة والإدارة الحديثة.
دبلوماسي بحجم الوطن
بعد نجاحه في وزارة الداخلية، انتقل العرموطي إلى السلك الدبلوماسي، حيث خدم سفيرًا للأردن في عدد من الدول، منها:
الجزائر، ليبيا، وتونس بين 1965 – 1967
الكويت، قطر، البحرين، وإمارات الخليج (قبل إعلان الاتحاد الإماراتي) بين 1967 – 1971
وكان له دور محوري في تعزيز العلاقات الأردنية مع الدول العربية، حيث مثّل الدبلوماسية الأردنية بحنكة وذكاء، وساهم في ترسيخ الروابط الأخوية والتعاون المشترك مع تلك الدول.
رجل الخير والإصلاح بعد التقاعد
بعد مسيرة حافلة في الخدمة العامة، أُحيل العرموطي إلى التقاعد، لكنه لم يتوقف عن العطاء، بل تفرّغ للأعمال الخيرية والاجتماعية، وأسهم في تأسيس الجمعيات الخيرية، وكان له دور بارز في إصلاح ذات البين بين العشائر والعائلات، ليظل صوته حاضرًا في كل ميدان يخدم الوطن والمجتمع.
رحيل رجل الدولة.. جنازة وطنية مهيبة
في 19 أغسطس 2015، ودّع الأردن سنديانة عمان، كما أطلق عليه أمين عمان الراحل معالي عقل بلتاجي، حيث جرت له جنازة وطنية مهيبة في مقبرة العائلة في أم الحيران.
وشارك في وداعه جموع غفيرة من الأردنيين، تقدّمهم جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم، وجلالة الملكة رانيا العبد الله، إلى جانب أصحاب السمو الأمراء والأميرات، وشيوخ العشائر، وكبار الشخصيات الأردنية من مختلف أنحاء المملكة، في مشهد يعكس حجم الاحترام والتقدير لهذا الرجل الوطني الكبير.
وقد نعاه كبار المسؤولين، حيث عبّر نائب أمين عمان الدكتور يوسف الشواربة عن فقدان الوطن لأحد أبرز رجالاته، فيما وصفه أهالي عمان بأنه رجل خدم الوطن بكل كفاءة واقتدار وإخلاص.
إرث خالد في ذاكرة الأردن
لم يكن معالي محمد نزال العرموطي مجرد مسؤول حكومي أو دبلوماسي، بل كان قائدًا إداريًا، ورجل دولة، ومصلحًا اجتماعيًا، ترك بصمته في كل منصب تقلده، ليبقى اسمه شاهدًا على مرحلة ذهبية من تاريخ الإدارة الأردنية.
رحم الله سنديانة عمان، وأسكنه فسيح جناته، وسيظل إرثه الوطني حيًا في ذاكرة الأجيال القادمة.