حين تُكتب سيرة الرجال العظام، لا تُقاس بسنوات العمر، بل تُخلّد بمواقفهم وصبرهم وثباتهم أمام الابتلاءات. النقيب فيصل حسن فهد أبو زيد لم يكن مجرد ضابط في القوات المسلحة الأردنية، بل كان نموذجًا للقوة، والصبر، والإيمان، حتى في أصعب اللحظات التي خطّها القدر على جسده المنهك، لكنه ظل واقفًا، شامخًا، حتى آخر نفس.
مسيرة بطل.. من الحلم إلى الميدان
نشأ فيصل أبو زيد محبًا للعسكرية، يراوده حلم الانضمام إلى صفوف الرجال الذين يحملون شرف الدفاع عن الوطن. وبعد إنهاء دراسته الثانوية في مدارس سحاب عام 2006، التحق بـكلية علي الصباح العسكرية في الكويت، حيث نال شهادة البكالوريوس في العلوم العسكرية والإدارية، وعاد إلى الأردن ضابطًا مهيبًا يحمل بين ضلوعه عزيمةً لا تلين.
بدأ مسيرته في المنطقة العسكرية الوسطى، متنقلًا بين كتيبة المدرعات الملكية الثانية وكتائب حرس الحدود، قبل أن يلتحق بـمديرية الأمن العسكري، حيث برز في عدة مواقع حساسة، كان آخرها مكتب استخبارات الخدمات الطبية الملكية. هناك، ظل يؤدي واجبه بإخلاص حتى عندما باغته المرض، فلم يثنه الألم عن أداء رسالته العسكرية حتى آخر لحظة.
معركة فيصل مع السرطان.. بطولة من نوع آخر
منتصف عام 2015، بدأت معركة فيصل الكبرى، حين باغته السرطان دون سابق إنذار. ثلاث سنوات قضاها بين جدران المدينة الطبية ومركز الحسين للسرطان، لكنها لم تكن سنوات استسلام، بل كانت صفحات مضيئة من الإيمان، والصبر، والمقاومة. كان صلبًا، شامخًا، لا يشكو ولا يئن، بل كان يُلهم من حوله بقوته المعنوية وروحه القتالية التي لم تنكسر.
رغم المرض، لم ينقطع عن زملائه، ولم يتخلَّ عن واجبه، وكان مثالًا حيًا للرجل المؤمن بقضاء الله، الراضي بما كتب له، حتى تلك الليلة الحزينة من 26 نيسان 2018، عندما ترجل عن الدنيا، تاركًا خلفه سيرة بطل لم يعرف الهزيمة.
وداع مهيب لرجل عظيم
حين حمل جثمانه الطاهر، تداعى رفاقه في الجيش العربي والقوات المسلحة، بحضور مندوب عن رئيس هيئة الأركان المشتركة، ليودّعوه في جنازة مهيبة شهدها أهله، وأصدقاؤه، وزملاؤه، ومحبوّه من مختلف أنحاء المملكة. كان مشهدًا مهيبًا يليق برجل عاش كريمًا، ورحل بكرامة الأبطال.
إرث فيصل.. ابناؤه يكملون المسيرة
ترك فيصل وراءه إرثًا من المحبة والذكرى الطيبة، وأغلى ما ترك، ابنه حسن، ذو الثمانية أعوام، وابنته سيدال، ذات الستة أعوام. يحملان في عروقهم دم فارس لم يعرف اليأس، ويتربّيان على ذكراه، ليكونا امتدادًا لإرث والدهم الذي عاش نبيلًا، ورحل عظيمًا.
فيصل أبو زيد.. اسمٌ لا يُنسى
فيصل لم يكن مجرد ضابط، بل كان حكاية شرف، وعنوان تضحية، ونموذجًا في الصبر والثبات. لم يكن الموت هزيمةً له، بل كان تتويجًا لمسيرة رجل خاض كل معاركه بشرف، وانتصر فيها حتى اللحظة الأخيرة.
رحم الله النقيب فيصل حسن فهد أبو زيد، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله الصبر والسلوان. سيبقى اسمه حاضرًا، تتناقله الألسنة، وتخلّده القلوب، كواحدٍ من الرجال الذين عاشوا بكرامة، ورحلوا بعزة الأبطال.