تمرُّ الأيام ثقيلة، وتعيد إلينا ذكرى موجعة لا تُحتمل… ذكرى رحيلك يا أبي، يا من كنتَ علماً في المعرفة، ورمزاً في الأخلاق، وأباً لا يعوَّض.
في مثل هذا اليوم، فقدتُ ليس فقط أبي، بل معلّمي الأول، ورفيقي في دروب الحياة. كان فقدانك خسارةً كبيرةً لعائلتك، لكنه أيضاً كان خسارة لكل من عرفك. فطلابك افتقدوا أستاذاً ملأ عقولهم بالنور والعلم، وزملاؤك افتقدوا عالماً اجتمع فيه عمق المعرفة مع دماثة الأخلاق، وأصدقاؤك فقدوا رجلاً كان مثالاً في الوفاء والصدق والاحترام.
رحلة عطاء لا تنتهي
لقد كنت يا أبي رجلاً لا يعرف الكلل في خدمة العلم والمجتمع. لم تكن مجرد أستاذ أكاديمي، بل كنت موجِّهاً وملهماً، ترشد طلابك ليس فقط إلى النجاح في دراستهم، بل إلى النجاح في حياتهم. كنت مؤمناً أن العلم رسالة، وأن أعظم ما يتركه الإنسان بعده هو أثره في عقول وقلوب الناس.
كنت تحرص دائماً على أن يكون للعلم قيمة أخلاقية، فالعلم بلا أخلاق لا معنى له. كنت تؤمن بأن العالم الحقيقي هو من يستخدم معرفته لخدمة الآخرين، لا من يحتكرها لنفسه. وهكذا كنت... سراجاً يضيء لمن حوله، حتى وإن أحرقتك الأيام.
ذكراك خالدة في القلوب
أفتقد حديثك وحكمتك، وأفتقد جلساتنا التي كنت تزرع فيها داخلي حب المعرفة، وتذكّرني دائماً بأن الدنيا أكبر من همومها. كنتَ بستاناً من الحكمة، وسنداً لا يعوّض.
لكن رغم الألم، فإن عزائي الوحيد هو أنك لم ترحل تماماً... نعم، غاب جسدك، لكن كلماتك ما زالت تُنير دربي، وعلمك ما زال حيًّا في تلاميذك، وذكراك باقية في قلوب كل من عرفوك وأحبوك.
أبتاه... رحلت عنا، لكنك باقٍ فينا، وستظل حاضراً في كل لحظة نتذكّر فيها علمك، وطيبتك، وحكمتك. رحمك الله وأسكنك فسيح جناته.