في رحيل الرجال العظماء، تبقى سيرتهم العطرة نبراسًا يُضيء دروب الأجيال، ويظل ذكرهم خالدًا في قلوب من عرفوهم وتعاملوا معهم. ومن هؤلاء الرجال، كان الحاج غصاب الدهام الجبور، الذي رحل عن الدنيا تاركًا وراءه إرثًا من الخير والإصلاح، ومسيرةً حافلة بالعطاء والتفاني في خدمة الناس.
نشأة رجل حمل الخير في قلبه
وُلد الحاج غصاب الدهام الجبور في بيئة عربية أصيلة، ترعرع على القيم النبيلة والأخلاق السامية التي تشبّعت بها روحه منذ الصغر. تربى في كنف أسرة اشتهرت بالشهامة والكرم، فتشرّب من والديه حب الخير والسعي للإصلاح، وكان منذ شبابه مثالًا للرجل الحكيم العادل الذي يلجأ إليه الناس لحل نزاعاتهم وخلافاتهم.
الإصلاح بين الناس.. رسالة حياة
لطالما كان الحاج غصاب رمزًا للسلم الاجتماعي والإصلاح بين أبناء مجتمعه، فلم يكن مجرد رجل عادي، بل كان بمثابة قاضٍ عشائري يعتمد عليه الجميع في تهدئة النفوس وحل النزاعات. كان يحكم بالعدل، مستندًا إلى الشرع والقيم العشائرية التي تحث على التسامح والمودة. ومما تميّز به أنه لم يكن يومًا متحيزًا لطرف ضد آخر، بل كان يسعى دائمًا لتحقيق الصلح العادل الذي يرضي الجميع.
ولم تقتصر جهوده على حل الخلافات العشائرية فقط، بل كان داعمًا لكل مبادرة تعزز التماسك الاجتماعي، وساهم في العديد من المصالحات الكبرى التي جنّبت المجتمع صراعات طويلة، مكرسًا جهده ووقته من أجل رأب الصدع بين المتخاصمين.
رجل الدين والخلق الحسن
إلى جانب دوره في الإصلاح، كان الحاج غصاب رجل دين وتقوى، عُرف بزهده وورعه، وكان دائمًا يحث الناس على الصلاح والاستقامة. لم يكن مجرد داعية بالكلام، بل كان قدوة في سلوكه، حيث تجسدت الأخلاق الإسلامية في أفعاله وأقواله. كان مجلسه عامرًا بذكر الله والنصح والإرشاد، وكان يبذل من ماله ووقته لمساعدة الفقراء والمحتاجين، لا يرد سائلًا ولا يغلق بابه أمام أي طالب عون.
مواقف مشرفة وبصمات لا تُمحى
لم يكن الحاج غصاب مجرد شخص عادي في مجتمعه، بل كان ملاذًا لكل من ضاقت به الحياة، فكان كريمًا في عطائه، لا يهاب الصعاب، ولا يتأخر عن نصرة المظلوم أو دعم المحتاج. كم من عائلة أنقذها من الفقر، وكم من شاب دعمه ليشق طريقه في الحياة، وكم من خلاف أطفأ نيرانه بحكمته وصبره.
وكانت بصماته واضحة في دعم المبادرات الاجتماعية، إذ ساهم في إنشاء مشاريع خيرية، وكان من أوائل الداعمين للتعليم بين أبناء العشائر، مؤمنًا بأن العلم هو مفتاح التقدم والرقي.
رحيله.. خسارة لا تعوَّض
برحيل الحاج غصاب الدهام الجبور، فقد المجتمع الأردني أحد رموزه البارزة، وافتقدت العشائر رجلًا قلّ نظيره في زمن بات فيه الصلحاء قلة. لم يكن مجرد شخصية اجتماعية، بل كان مدرسة في الأخلاق والتسامح والكرم.
لقد بكى الناس رحيله، ليس لأنه كان وجهًا مألوفًا فحسب، بل لأنه كان روحًا طيبة احتوت الجميع، وقلبًا رحيمًا لم يعرف القسوة يومًا. ورغم فقدانه، فإن إرثه الإنساني سيبقى محفورًا في ذاكرة من عاصروه، وسيظل اسمه مرادفًا للخير والعطاء والإصلاح.
كلمة أخيرة
إن الرجال العظماء لا يُقاسون بعدد السنوات التي عاشوها، بل بما تركوه من أثر طيب في قلوب الناس. والحاج غصاب الدهام الجبور كان مثالًا للرجل الذي عاش للآخرين، وكرّس حياته لخدمة مجتمعه. فرحم الله هذا الرجل الطيب، وأسكنه فسيح جناته، وجعل ما قدّمه في ميزان حسناته.