في قلب محافظة مادبا، وعلى أرضها التي أنجبت الرجال الأوفياء، يبرز اسم خلف سلامة أبوالخيل الشوابكة كأحد رموز الحكمة والوقار، رجلٌ تجاوز الثمانين من عمره، ولكنه لا يزال حاضرًا في ذاكرة الناس وقلوبهم، بما قدمه من عطاء، وبما مثّله من قيم راسخة.
النشأة والتكوين
وُلد خلف الشوابكة عام 1938 في بيئة أردنية محافظة، تغرس في أبنائها القيم والمبادئ الأصيلة، وتربيهم على حب الوطن والانتماء للأرض والعشيرة. نشأ في مجتمع تسوده الروح القبلية والتكافل الاجتماعي، فكان منذ نعومة أظافره شاهدًا على قصص الفخر والكرامة، مما زرع فيه الشعور بالمسؤولية تجاه أسرته وعشيرته ووطنه.
التحاقه بالجيش العربي الأردني
حمل خلف سلاحه وانضم إلى صفوف الجيش العربي الأردني، ليؤكد انتماءه الحقيقي لهذا الوطن. كان من الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فلم يتردد في أداء واجبه الوطني، وشارك في معركة الكرامة عام 1968، تلك المعركة الخالدة التي سطر فيها الجيش العربي أروع البطولات في وجه العدو الإسرائيلي، وحقق فيها نصرًا معنوياً وتاريخياً للأردن وللأمة العربية جمعاء.
في تلك المعركة، كان خلف الشوابكة واحدًا من الجنود الذين سطروا أسمى معاني التضحية والبطولة، حيث وقفوا بشجاعة أمام آلة الحرب الإسرائيلية، مؤكدين أن الأرض لا تُحمى إلا بسواعد أبنائها.
من ميادين القتال إلى ميدان الإصلاح الاجتماعي
بعد سنوات من الخدمة العسكرية المشرفة، عاد خلف إلى حضن عشيرته، ليُنتخب مختارًا لعشيرة أبوالخيل الشوابكة، فحمل هذا اللقب بكل مسؤولية، وسار على نهج الكبار، ليكون مرجعًا للناس في قضاياهم، ووسيطًا للخير بين المتخاصمين، ومصلحًا لا يكلّ ولا يملّ في سبيل إعلاء كلمة الحق.
تميّز بمواقفه الصلبة، وحكمته المعهودة، وبقدرته على استيعاب الخلافات واحتوائها. لم يعرف التردد في قول الحق، ولم يبحث عن الأضواء رغم مكانته العالية بين أبناء محافظته.
رمز من رموز مادبا
لا يُذكر اسم خلف الشوابكة في مادبا إلا مقرونًا بالاحترام والتقدير، فقد ترك بصماته في كل مجلس وكل موقف وطني أو اجتماعي. شارك في المبادرات الخيرية، وأسهم في حل النزاعات، وكان بيته مفتوحًا لكل من قصد الإصلاح أو السعي للخير.
هو ليس مجرد مختار لعشيرة، بل رمز لمرحلة تاريخية من حياة الأردن، رجل جسّد معاني الوفاء للوطن والولاء للقيادة الهاشمية، ومثّل صورة مشرفة للمختار الأصيل الذي يتحدث بلسان الحكمة ويمشي بخطى واثقة نحو خدمة الناس.
خلف سلامة أبوالخيل الشوابكة، اسمٌ يختزل في حروفه مسيرة حافلة بالعطاء، من خندق القتال إلى مجلس الإصلاح، ومن ساحات الجيش إلى ساحات المجتمع، يظل هذا الرجل منارة تضيء دروب الأجيال، ونموذجًا أردنيًا يُحتذى في الوطنية والشهامة.
وسيظل التاريخ يذكره، كما تذكر الأرض من سقاها بعرقه، والناس من عاش لأجلهم وبذل في سبيلهم.