في السادس عشر من نيسان كل عام، تتنفس المملكة الأردنية الهاشمية عبق التاريخ والهوية، مُحتفلةً بيوم العلم، الذي لا يُمثل مجرد رمزٍ وطني، بل هو مرآة تعكس روح أمةٍ صنعت مجدها بالتضحيات، ورسّخت وجودها بالإصرار تحت القيادة الهاشمية العريقة. فالراية الأردنية ليست ألواناً تزين السماء، بل دماء الشهداء، وعرق البناة، ووعد الأجداد للأحفاد.
من قلب الثورة.. ولادة علمٍ خالد..
وُلد العلم الأردني عام 1928 حاملاً في طياته إرث الثورة العربية الكبرى (1916) بقيادة الشريف الحسين بن علي، ليكون لواء الوحدة والاستقلال. يتشكل من ثلاثة ألوان أفقية: **الأسود** رمز العباسيين، **الأبيض** شعار الأمويين، **الأخضر** راية الفاطميين، يجمعها مثلثٌ أحمر يُجسّد دماء الشهداء، وتتوسطه نجمةٌ بيضاء بسبعة أطراف، ترمز إلى السبع المثاني في القرآن الكريم، وإلى الجبال السبع التي تقوم عليها المملكة، كناية عن الصمود والتوازن.
ألوانٌ تتحدث بلغة الكرامة
فكل خيط في هذا النسيج الوطني يحمل قصصاً لا تُنسى:
- **الأحمر**: يُذكّر بدماء الشهداء الذين رووا أرض الوطن من الشمال إلى الجنوب.
- **الأسود والأبيض والأخضر**: توأمةٌ مع الأمة العربية، وتأكيدٌ على أن الأردن قلعتها المنيفة.
- **النجمة السباعية**: إشعاعٌ ينير درب التنمية، من تعليمٍ يصل إلى كل قرية، إلى مستشفياتٍ تُحاكي العالمية، واقتصادٍ يتحدى الظروف.
عندما تتحول الألوان إلى مشاعر
لا يقتصر الاحتفال على رفع العلم، بل يتحول إلى مهرجانٍ وطني فالمدارس تُنشد "عاش المليك" وتنقش ألوان العلم في لوحات الطلاب، الشوارع تكتسي بالرايات، وكأن النخيلَ يرفع سعفه تحيةً للفخر، و قلعة عمان التاريخية تتصدر المشهد، حيث يُضيء العلم ليلاً كأنه نجمُ الشمال، دليلاً على ثبات الهوية رغم تقلبات الزمن.
رسالة من تحت الراية نقولها نحن هنا باقون "عندما أرفع العلم، أسمع همسات جدي الذي حارب تحت هذه الراية، فأعلم أنني أحمل أمانةً لا تُسقطها الرياح".
كان الهاشميون ولا يزالوا حراس الراية وسدنَة الوعد
من الملك المؤسس عبدالله الأول، إلى الملك عبدالله الثاني، ظلّت الراية حاضرةً في كل محطة في خطاباته، يؤكد جلالة الملك أن "العلم شرفٌ لا يُمس"، داعياً الشباب إلى أن يكونوا سفراءَ له في كل المجالات. كما تُترجم الوصايا الملكية على الأرض: فالقوات المسلحة تحمي حدود الراية، والمُعلمون يغرسون حبها في الصفوف، والمبدعون يصنعون من ألوانها لوحاتٍ تخطف الأنظار عالمياً.
الراية.. ليست ذكرى بل ضميرٌ حي فيوم العلم ليس مجرد احتفالٍ سنوي، بل محطةٌ لتجديد العهد: عهدٌ بأن تظل الراية خفاقةً بعزيمة أبناء الأردن، وعهدٌ بأن تبقى المملكة منارةً تُضيء دربَ الأمّة نحو الوحدة والكرامة، فتحت هذه الراية، وُلد الأمس البطل، ويُولد اليومَ الأمل، وغداً سيبقى الأردن كما أراده الهاشميون: وطناً يُشار إليه بالبنان.
وسنبقى جميعاً على الوعد والعهد خُطاةً في درب النجمة السباعية.. درب العلوّ..