في قلب الصحراء التي تحمل عبق التاريخ ونبض الأجداد، حيث تمتد الرمال كبحرٍ ذهبيٍّ لا نهاية له، وتتعانق الجبال مع السماء في مشهد مهيب، أقيمت مسابقة الهجن في الديسة برعايةٍ كريمة من سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني المعظم، ولي العهد — رعايةٌ تختصر في معناها الوفاء للتاريخ، والاعتزاز بالهوية، والإيمان العميق بأن التراث ليس ماضياً يُروى، بل مجدٌ يُصان ويُورَّث.
في ذلك اليوم، لم يكن السباق مجرد منافسة بين الهجن وسرعتها، بل كان عرساً وطنياً للأصالة، اجتمع فيه عبق البداوة، وصهيل الصحراء، وصوت الطبول التي تنبض بتراث الأجداد. هجنٌ تتراقص على رمالٍ حُفرت فيها قصص الكرامة والعزة، ورجالٌ يشدّون الرحال من كل صوبٍ ليشهدوا هذا الحدث الذي يجسد روح الأردن الأبية.
إن حضور سمو ولي العهد بين أبناء البادية لم يكن مجرد بروتوكول رسمي، بل رسالة عميقة تؤكد أنّ الهوية الأردنية تستمد قوتها من جذورها، وأنّ رعاية التراث هي رعاية للروح الوطنية التي توحّد الأردنيين من الشمال إلى الجنوب. فالهجن ليست سباقاً على مضمار، بل رمزٌ للوفاء والشجاعة والصبر والكرم، تلك القيم التي شكلت ملامح الإنسان الأردني منذ فجر التاريخ.
ولأنّ الديسة ليست مجرد مكانٍ جميل، بل ذاكرةٌ من رملٍ ووردٍ وشموخٍ، فقد تحوّل مضمارها إلى لوحةٍ من الفخر، تداخلت فيها الأصوات والألوان، فارتفعت الزغاريد، وتلألأت الرايات، وامتزج الماضي بالحاضر في مشهدٍ يليق بالأردن وأهله وقيادته الهاشمية الحكيمة.
إنّ رعاية سمو الأمير الحسين لمثل هذه الفعاليات، هي امتداد لنهج الهاشميين في صون الموروث وحماية الهوية الثقافية، وإبقاء جذوة التراث حيّة في وجدان الأجيال. فبينما تتسارع خطى العالم نحو الحداثة، يبقى الأردن وفيًّا لجذوره، يوازن بين التطور والأصالة، بين المستقبل والماضي، بين الإنجاز والوفاء.
هكذا، كانت مسابقة الهجن في الديسة أكثر من سباقٍ على مضمار؛ كانت قصيدةً من رملٍ وعرقٍ ومجدٍ، تُروى للأجيال القادمة لتقول:
إنّ في كل نَخوةٍ بدويةٍ، وكل نَفَسٍ من رمل الديسة، يعيش الأردنُّ... أصالةً لا تزول، ومجداً لا يُمحى.