يُعد ملف كلفة الدين العام من أكثر الملفات تعقيدًا وإرهاقًا للمالية العامة للدولة، إذ لا يقتصر على الأرقام والإحصاءات فحسب، بل يمتد إلى التداعيات الاقتصادية والمالية الناجمة عنه، وإلى كيفية إدارة الدين وآليات التعامل معه بشكل فعّال.
شهدت الفترة الأخيرة تحولًا ملحوظًا في نهج الحكومة من الاقتراض لتغطية العجز إلى الاقتراض لتحقيق الكفاءة والاستدامة، وهو جوهر الإصلاح المالي الذي تسعى الدولة إلى تحقيقه.
ويأتي إصدار السندات الأخيرة ليؤكد هذا التوجه، حيث تجاوز الإقبال الاستثماري 300% من قيمة الطرح، ما يعني أن الطلب على السندات الأردنية فاق العرض بثلاثة أضعاف، وهو مؤشر واضح على ثقة المستثمرين الدوليين بالاقتصاد الأردني وبإدارة الدولة المالية، في ظل ظروف إقليمية صعبة اقتصاديًا وسياسيًا.
هذه الخطوات، وإن بدت صغيرة، تحظى بالتقدير من اللجنة المالية في مجلس النواب، بشرط أن تتبعها خطوات مماثلة في ملفات أخرى، على طريق تحويل هذه السياسات إلى نهج حكومي دائم ومستدام. فالاقتراض ليس خطأ بحد ذاته إذا كان محسوبًا ويُدار بذكاء ويخدم مشاريع اقتصادية ذات قيمة مضافة، لكن الخطأ أن يبقى الاقتراض أسلوب تمويل دون وجود إصلاح موازٍ في الإيرادات والنفقات.
ما قامت به الحكومة اليوم خطوة صحيحة في الاتجاه المالي السليم وتستحق التشجيع والدعم، على أمل أن تكون مقدمة لسياسة مالية شاملة تهدف إلى تقليل كلفة الدين تدريجيًا، بما ينعكس إيجابًا على تحسين التصنيف الائتماني للمملكة.
قد لا تغيّر قيمة الوفر المتحقق من خفض الفائدة الصورة الإجمالية كثيرًا، إذ تبلغ تقديرات إجمالي فوائد الدين في موازنة 2026 نحو 2.260 مليار دينار، لكن الرسالة الأهم تكمن في تغيير طريقة التفكير ومنطق اتخاذ القرار المالي.
ما نحتاجه اليوم هو هذا النوع من التفكير: البحث في التفاصيل، حتى لو كانت صغيرة، لأنها تصنع الفارق، وفي اتخاذ القرارات المالية التي تعزز الثقة وتضيف قيمة، على طريق اقتصاد أكثر استقرارًا ودين عام يُدار بعقلانية لا بردّ فعل.