برز مصطلح القوة الناعمة في الكتابات الأكاديمية في مجال السياسة الخارجية لتحقيق المصالح الإستراتيجية، في أواخر ثمانينات القرن المنصرم. وأول من صك هذا المصطلح هو جوزيف ناي Joseph Nye في كتابه » القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية»، حيث ميز بين التأثير غير المباشر للعوامل الثقافية ومنظومة القيم في سلوك الآخرين المعنيين وبين وسائل القوة العسكرية، حتى أصبح هذا المصطلح يتم استخدامه من قبل الدول لتحقيق أهدافهم ومصالحهم. وفي هذا السياق تسعى الصين إلى توظيف مصادرها من القوة الناعمة وتفعيلها بطرق علمية ومنهجية في مجال إقامة علاقات التعاون الاقتصادي وتحقيق استثمارات تجارية كبيرة في القارة الافريقية وصولا لمصالحها وأهدافها. وفى المقابل تبحث الدول الأفريقية عن شريك يساعدها في بناء اقتصادها، وتجد ذلك في الصين التي تتمتع بالقوة الاقتصادية الضخمة، وبالتالي يستفيد كلا الطرفين من هذه العلاقة.
ومصالح الصين في القارة الأفريقية لا تقتصر على الموارد الطبيعة، ولكن تشمل قضايا الأمن، التجارة، والدبلوماسية، فتعزز الصين وجودها في افريقيا من خلال سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية، والاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة، ونلاحظ التناقض الواضح بين سياسة الصين في القارة الأفريقية وسياستها تجاه التبت، وشينجيانغ. والحقيقة أن نجاح النموذج التنموي الصيني وجاذبيته وحرص الصين على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأفريقية أو فتح ملفات حقوق الإنسان يشجع كثيراً من الحكومات الأفريقية على التعامل بإيجابية مع الصين.
وبالإضافة إلى زيادة الطلب الصيني على الموارد الطبيعية وسعيها لتأمين تلك الموارد، ترجع أسباب التوجه الاستراتيجي الصيني في أفريقيا إلى رغبة الصين في دعم مركزها كقوة عالمية صاعدة من خلال تبني خيار التعاون مع الجنوب من ناحية، و سعي الصين إلى تقويض جهود تايوان الرامية لإعلان الاستقلال من ناحية أخرى.
وبعد الانتشار الواسع للصين في جميع أنحاء العالم، وأفريقيا بشكل خاص، نلاحظ وجود مجموعة من التحديات تواجه الاستثمار الصيني في القارة الأفريقية، منها التحدي التنظيمي، من خلال التنظيم الذاتي للشركات الصينية العاملة في مجال التعدين، فالشركات الصينية العاملة في القارة الأفريقية هي شركات مملوكة للدولة ما يحد من الأهداف الشخصية، بينما الشركات الغربية تعكس بشكل أساسي القرار الخاص والهدف الربحي.
أما التحدي الآخر فهو التحدي الثقافي، فبالرغم من أن الصين حققت حضوراً إعلامياً وثقافياً متنامياً في أفريقيا، حيث افتتحت مئات المعاهد لتعليم اللغة ونشر الثقافة الصينية، وقامت بتوفير البنية التحتية اللازمة في عشرة آلاف قرية لاستقبال البث بالقمر الاصطناعي اعتماداً على الطاقة الشمسية، كما وتعمل وكالات الأخبار والتلفزة الصينية وكثير من القنوات التلفزيونية والإذاعية في معظم دول القارة، إلا أن التطور الصيني في أفريقيا في مجالات الثقافة والفن ونشر الأفكار والمعلومات ما زال غير كاف ويحتاج إلى مزيد من الدعم. فاللغة الصينية غير منتشرة بين النخب في الدول الإفريقية، والوسائل الإعلامية باللغتين الانكليزية والفرنسية الموجودة منذ سنوات طويلة، أكثر انتشارا وتأثيراً من وسائل الإعلام باللغة الصينية، فتأثير القوة الناعمة الغربية في أفريقيا مهدد دائماً بالتاريخ الاستعماري الإنكليزي والفرنسي في القارة.