في خضمّ بيئة إقليمية مضطربة وضغوط اقتصادية متصاعدة، يبرز الدور الأردني الخارجي بوصفه مكوّنًا أساسيًا في حماية المصالح الوطنية وتعزيز استقرار الدولة.
فقد تجاوزت الدبلوماسية الأردنية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني المفهوم التقليدي للتمثيل السياسي، لتتحول إلى مشروع استراتيجي متكامل يستهدف خدمة الداخل عبر تعزيز المكانة الدولية للأردن، وفتح قنوات الشراكة، واستقطاب الدعم الاقتصادي والسياسي.
هذه الدبلوماسية النشطة لا تُدار بالخطابات أو البروتوكولات، بل تعتمد على حضور ملكي مستمر وزيارات مكثفة لعواصم القرار العالمي.
زيارات حملت أبعادًا سياسية وأمنية واقتصادية، وهدفت بالدرجة الأولى إلى تثبيت موقع الأردن لاعبًا أساسيًا في المنطقة، وشريكًا موثوقًا في ملفات الاستقرار الإقليمي.
لقد أصبح الأردن اليوم، بفضل القيادة الهاشمية، نموذجًا لدولة صغيرة الحجم كبيرة التأثير، قادرة على بناء شبكة علاقات متينة تفتح أبواب الاستثمار وتنويع الشركاء.
إلا أن هذه الإنجازات الخارجية، مهما بلغت قوتها، تبقى ناقصة إن لم تجد جبهة داخلية قادرة على تحويل الفرص إلى واقع ملموس.
فالدبلوماسية الملكية تفتح الأبواب، لكن عبور تلك الأبواب مسؤولية المؤسسات والأجهزة المعنية داخل الدولة.
والعبور هنا لا يتم إلا من خلال سيادة قانون كامل، وإدارة اقتصادية واضحة، ورقابة فعّالة، وشفافية عالية، وقدرة على الاستجابة السريعة للمستثمرين.
من غير المقبول أن يعمل جلالة الملك بلا توقف على المستوى العالمي، بينما بعض المؤسسات الداخلية ما تزال غارقة في البيروقراطية أو عاجزة عن اتخاذ القرار، أو غير مدركة لحجم الجهد الذي يُبذل لأجل الأردن.
فنجاح الدبلوماسية الخارجية مشروط بجدّية التنفيذ الداخلي، وبقدرة المسؤولين على مواكبة الحراك الملكي المتسارع.
إن المطلوب من المسؤولين اليوم ليس الإشادة بالجهود الملكية والاكتفاء بالخطابات، بل الانتقال نحو العمل الحقيقي:
ترجمة الرؤية الملكية إلى سياسة، والسياسة إلى برنامج، والبرنامج إلى إنجاز يشعر به المواطن ويعزز ثقة المستثمر، ويعيد الاعتبار لصورة الإدارة العامة في الأردن.
كما أن المرحلة الراهنة تتطلب وضوحًا أكبر في القرارات، وحسمًا في مواجهة التحديات بدل الهروب منها.
ويجب أن تكون سيادة القانون هي البوصلة التي تُبنى عليها بيئة استثمارية جاذبة، فلا اقتصاد قوي بلا عدالة، ولا تنمية بلا مؤسسات قادرة على إنفاذ القانون على الجميع دون استثناء.
ما يقوم به جلالة الملك ليس مجرد تحرك سياسي، بل مشروع وطني شامل يهدف إلى حماية الاقتصاد الأردني وتحصين مستقبل الوطن. غير أن نجاح هذا المشروع رهنٌ بقدرة المؤسسات على اللحاق بالإيقاع الملكي، واستثمار الفرص التي تُفتح يوميًا بجهد جلالته في مختلف المحافل الدولية.
حفظ الله جلالة الملك عبدالله الثاني، وسدّد خطاه، وحمى الأردن قويًا شامخًا.
ووفق الله المسؤولين جميعًا ليكونوا على قدر الثقة وأن يحوّلوا هذه الرؤية الملكية إلى إنجاز واقعي يخدم المواطن والوطن.