في لواء الرمثا، قدّمت الأجهزة الأمنية ليلة أمس مشهداً جديداً يؤكد أن هذا الوطن عصيٌّ على العبث، وأنه محروس برجال يعرفون مسؤوليتهم جيداً. العملية الأمنية التي انتهت بتحييد المطلوبَين لم تكن حدثًا عابرًا، بل محطة تعكس يقظة الدولة وجاهزيتها العالية، وتكشف أن الاستقرار الأردني ليس نتاج صدفة، بل ثمرة عمل مؤسسي محترف لا يتردد عندما يتصل الأمر بأمن المواطن.
لقد جسّدت أجهزتنا الأمنية مستوى متقدمًا من الإعداد والتنسيق، حيث تحركت وفق معلومات استخبارية دقيقة وبأسلوب تنفيذ احترافي حافظ على سلامة المدنيين وحسم الموقف بسرعة دون أن تتسع دائرة الخطر. ما جرى يعيد التأكيد على العقيدة الأمنية الأردنية التي تقوم على حماية الإنسان أولًا، وعلى أن القانون يعلو ولا يُعلى عليه، وعلى أن الأردن خط أحمر لا يسمح بتجاوزه.
ومع أن الاشتباك كان مع فردَين، إلا أن المعركة الأكبر كانت مع الفكر التكفيري الذي يقف خلف مثل هذه السلوكيات. مواجهة هذا الفكر لا تُدار بالسلاح فقط، بل تحتاج إلى وعي مجتمعي يحصّن الأجيال من الانجرار خلف خطاب التحريض والكراهية، وإلى تعليم ديني صحيح يربط الشباب بجوهر الدين لا بتطرف من يحاول اختطافه. كما تتطلب بيئة اجتماعية تفتح الحوار وتغلق أبواب الاستقطاب، حتى لا يجد المتطرفون منفذًا إلى عقول أبنائنا.
وأكدت أحداث الرمثا أن المجتمع الأردني يقف في الصف الأول إلى جانب مؤسساته. فقد أظهر المواطنون وعيًا وتعاونًا ملحوظًا، ما أسهم في تضييق الخناق على الخارجين عن القانون، وأثبت أن الأمن مسؤولية مشتركة، وأن المواطن شريك أساسي في حفظ الاستقرار، سواء بالتبليغ أو بالمساندة أو بالتصدي لأي محاولة تستهدف السلم المجتمعي.
إن الرسالة التي خرجت من الرمثا لا تقف عند حدود تلك الليلة. إنها رسالة تقول إن الأردن دولة تملك القدرة والإرادة لحماية نفسها، وإنها قادرة على معالجة التحديات الأمنية بحزم، وفي الوقت نفسه تمتلك رؤية واضحة لمحاصرة أسباب التطرف وتجفيف روافده. ما حدث يجب أن يشكّل أساسًا لتطوير برامج وطنية تُعنى بالتحصين الفكري، وتعزيز الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وترسيخ قيم الاعتدال والانتماء.
وفي ظل القيادة الهاشمية الحكيمة، التي أرست نهج الدولة القوية الواثقة، تواصل قواتنا المسلحة الباسلة وأجهزتنا الأمنية أداء دورها بثبات واحتراف، لتبقى جاهزة في كل لحظة لحماية الوطن وصون أمنه. هذا التلاحم بين القيادة والشعب والمؤسسات هو ما يجعل الأردن أكثر صلابة وقدرة على مواجهة كل محاولات العبث، ويؤكد أن الوطن سيظل واقفًا بشموخه، لا ينكسر أمام التحديات ولا يسمح للظلام أن يجد طريقًا إلى مستقبله. هكذا كان الأردن، وهكذا سيبقى… وطنًا لا يُخترق ودرعًا لا ينكسر.