طلال نايف حديثة الخريشا ليس نائبًا، ولا يحب الظهور الإعلامي أو التقاط الصور، لكنه واحد من أولئك الرجال الذين تُعرف قيمتهم من أفعالهم لا من مناصبهم.
مهما حاولت الحديث عن هذه الشخصية العشائرية البارزة، أجد نفسي مقصّرًا في حقه. فهو أحد طلاب صفي، ومن أبناء جيلي، وأحد أعمدة الدولة الأردنية، وقامة عشائرية سامقة كالنخل، لا تهزّها الرياح العاتية. إن صمت فصمته يحمل الكثير، وإن تحدث فحديثه يُنصت له.
رجل صعب المراس، لا يحتاج إلى مدح أو ثناء، لا مني ولا من غيري، فهو من رجالات قبيلتي، وأنا لا أمدح إلا من يستحق المدح. ترك منصبه برتبة مستشار في رئاسة الوزراء، ولم أذكر يومًا اتصلت به ولم يرد، أو قصدته فانقطع عني. كان دائمًا حاضرًا، يقول: «أبشر… أنا موجود لخدمة الناس»، بابتسامة صادقة ومعشر طيب ونفس نقية.
لم يسأل يومًا: إلى أين الاتجاه؟ أو لماذا نذهب؟ بل كان السعي لخدمة الناس عنده واجبًا مقدسًا. نمضي معًا لمراجعة المسؤولين، ونطرق الأبواب مباشرة لحل قضايا من ضاقت بهم الظروف، فكانت الأبواب تُفتح بكل يسر وسهولة.
استمد طلال نايف هذه الأخلاق من والده المرحوم الشيخ نايف الخريشا، ومن شقيقه الشيخ الشايش الخريشا، وهما غنيّان عن التعريف. فوالده كان رمزًا من رموز الأردن النجباء، خسره الوطن والأمة العربية في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وكان مدافعًا صلبًا عن قبيلة بني صخر وحقوقها المشروعة. فالطيبة والشجاعة ليستا صفات مكتسبة، بل جينات متجذرة، حملها أبو نوف ومارسها بصمت ودون منّة.
هو الغيور على سمعة قبيلة بني صخر أينما حلّ، يتحدث بتاريخها حين تصمت الرجال وتجف الأقلام. وفي زمنٍ بات فيه البعض يلهث خلف المناصب مدّعيًا خدمة المجتمع، ثم يختفي عن الأنظار، بقي طلال نايف حاضرًا بالفعل لا بالادعاء.
شخصيًا، لم أطلب منه يومًا قضاء حاجة خاصة لي، فالحمد لله لست بحاجة، لكنني شهدت كيف كان يقف مع من قست عليهم الظروف، وكيف تُفتح الأبواب احترامًا له ولمواقفه. لا يحمل هاتفًا حديثًا، ولا يحب التقاط الصور مع المسؤولين، لأن حضوره لا يحتاج إلى توثيق.
اليوم، غاب كثير من النواب عن مجتمعاتهم، ونسوا أن دورهم تشريعي ورقابي، وأن من أوصلهم هم أبناء جلدتهم لا الجهد الفردي وحده. لكن التاريخ لا ينسى، ويسجل مواقف الرجال التي تبقى محفورة في الذاكرة مهما طال الزمن.
أمتلك الجرأة في التعبير، وجزالة المفردة، لكنني لا أريد المبالغة في مدح هذه الشخصية المتواضعة. وسيبقى الضوء مسلطًا على رجالات من بني صخر حين يثبتون أنهم أهلٌ لما تريد القبيلة والوطن.