لدى كل حكومة الحافز في ان تضع اسس و معايير جادة للتعيينات لان مستوى الحكومات يرتفع و يهبط بمقدار جودة التعيينات التي تقرها. كثير من الحكومات انهارت على مدى العقود الماضية لانها بالاساس اتبعت نهج التعيينات الخاطئة. ليس سراً ان التعيينات العليا في معظمها لا تخضع لمعايير الخبرة و الكفاءة. لدينا مشكلة حقيقية في هذا الامر و لا يبدو اننا قادرون على ابتداع منظومة فاعلة لاكتشاف المواهب الابداعية و افراز القيادات. ما اعظم هذه الفرصة الضائعة و التي تؤدي الى تدهور حالنا الاداري عاما بعد عام. فقد وصلنا الى حد ان يقرع رئيس الوزراء علنا ادارات حكومية بينما يشتكي احد وزرائه من طاقم مكتبه في رسالة مفتوحة، والامثلة كثيرة و يومية.
التعيينات و وضع الشخص المناسب في المكان المناسب هي احد البنود الاساسية في جميع بيانات الحكومات و برامجها على مدى العقود الماضية، فكيف تم التطبيق؟ يرتاح الناس مؤقتا لتصريح كل حكومة تقريبا و خصوصا في بداية عهدها بانها ستشكل لجنة للنظر في جميع تعيينات المناصب العليا قبل البت فيها في مجلس الوزراء. و ما ادراك ما اللجنة؟! و هل تشكيل هكذا لجان، حتى لو كانت جادة سيحل المشكلة و كيف؟ لسنوات طويلة كانت التعيينات الهامة و الحساسة لا تحصل الا يوم الخميس حتى تصدر في صحف يوم الجمعة كي لا يعلم بها معظم الناس الا بعد فترة.
في غياب منظومة لافراز و تقييم القيادات، فها نحن ندلل مجموعة من الوزراء المدراء و ننقلهم بين المناصب و نورثهم من حكومة الى اخرى على مدى عقود و عندما يفشلون في مهمة نسند اليهم اخرى اكبر منها! بل اننا كنا نسمح لهم باختيار المناصب و الاوقات المناسبة لهم! لماذا و اين النتائج؟ و فوق ذلك نروج لهم بأن نعطيهم الفرص الاعلامية لنسج الاساطير و سرد الكلام المنمق من غير انجاز مؤسسي يذكر. اليس الغرم بالغنم؟ لا يغضب الشعب الاردني اذا تم تعيين وزير او مدير عام براتب و مزايا خيالية و لسنين عدة و لكن بشرط ان يتم الانجاز و تحصل التنمية.
بتشكيل الهيئات و المفوضيات و المؤسسات المستقلة و غيرها كثرت المناصب العليا و اصبحت اكثر حساسية و قد بات شاغلوها اكبر و اهم من الوزراء من ناحية التنمية، فمعدل خدمتهم في مناصبهم اكبر، و كثير منهم يتمتع بصلاحيات مالية و ادارية واسعة و مستقلة، و بالتالي فان مجموع تأثيرهم هائل و هم يملكون مسقبل البلد بايديهم. فكيف نختارهم و كيف نقيم عملهم، و كذلك الوزراء؟ كيف نتعامل مع هذه الامانة الوطنية الكبيرة؟ ان اسناد الامانات الى غير اهلها هو مربط الفرس. لا اطرح حلا بل اوضح معضلة حقيقية لا بد من فك "شيفرتها"، على مستوى الدولة و بشكل عابر للحكومات، اذا كنا جادين في التنمية! مطلوب و بشكل عاجل تصميم و ارساء "منظومة افراز و تقييم القيادات" في المجال العام. فهل من مقترح؟