في وقت أصبح فيه العالم قرية صغيرة أصبحنا نسمع عن قصص كنا نظنها في السابق من نسج الخيال ولكن عندما جاءت طفرة عالم التكنولوجيا والإعلام الجديد أصبح لدينا دلائل على وجود أشخاص في بقعة ما من العالم استطاعوا أن يكون مؤثرين وملهمين في كافة المجالات ولا سيما المجال الرياضي.
رياضة المغامرة هي جزء من الرياضات التي يمارسها أشخاص بمواصفات معينة قرروا أن يتخذوا مسارا مختلفا ليكونوا اشخاصا مختلفين في هذا العالم ولعل في السابق كان من الصعب الوصول الى هؤلاء الأشخاص نظرا لعدم وجود وسائل إتصال كافية .
ومن يتخيل أن كاتبة هذه السطور استطاعت الوصول الى مغامر عالمي قطري الجنسية لكنه زار مئات الجنسيات من شمال الكوكب وحتى جنوبه بحثا عن ضالته.
فكان التواصل عبر الوسائل الحديثه للتعرف على رحالة ومغامر ودراج تواجد خلال كتابة هذه السطور في جنوب افريقيا للحديث عن قصة أشبه بالخيال تخللها العديد من المفاصل الغريبة والتلقائية التي ستفرحنا في تفاصيلها حد البكاء وقد تكون هذه القصة في يوم من الأيام رسالة الى الكثيرين الذين كانوا يشعرون دائما أنهم أشخاص لن تستفيد منهم البشرية كما كان يشعر المغامر "السندباد" خالد الجابر على حد تعبيره فكان الحديث عن قصة رحلة تشعرك بقيمة الإنسان بكل تفاصيلها ومن هنا كانت البداية .
خالد الجابر الذي يحط رحاله في موطنه قطر مع فجر الخميس كان لنا معه الحديث التالي:
من هو خالد الجابر
تعرفنا على المهندس خالد الجابر الذي درس تخصص شبكات كمبيوتر وحاصل على ماجستير في مكافحة جرائم الكمبيوتر من جامعة ايست لندن وبكالوريوس نظم معلومات وخريج مركز قطر للقيادات البرنامج التنفيذي فيقول :"عملت مهندس شبكات لمدة 15 عام ثم عملت في انتاج الأفلام كمهندس سينمائي ولكن بدأت مؤخرا في مجال الدراجات النارية فانتقلت للاقامة في المانيا واصبحت رحالة على الدراجة النارية منذ عام 2010 فقمت بالعديد من الرحلات في العالم منها ما كان في اوروبا والشرق الاوسط ودول الخليج وفي بعض الأحيان اكون لوحدي واحيانا ضمن مجموعات لذلك خضت العديد من التحديات مثل الربع الخالي في صيف 2016 وكان اختبار لقدراتي وفي نفس العام ذهبت الى جبال الهملايا الهندية واقليم التبت ووصلت فيها الى ارتفاع 4600 م فوق سطح البحر .
شعور بعدم النجاح
لا أستطيع تجاوز الشعور الذي كان ينتابني منذ طفولتي كنت أشعر من الداخل أنني لا أستطيع أن أنجح في أي مجال سواء لعبة رياضية او مادة علمية او حتى الدراسة، بالرغم من اهتمامي ببعض الهوايات ولكن كنت اظن نفسي اذكى من المدارس بالرغم من تدني نتائجي التحصيلية في المدرسة ولكن كنت أفهم المواد حسب رغبتي وحصلت على بعثة لدراسة تخصص بصراحه لم أكن أحبه وعملت في مجال نفس التخصص .. ولكن سأعترف أن العقدة كانت تلازمني أنني غير ناجح في شيء وأنني لست إضافة لشيء في هذه الدنيا وكنت اتخيل سيناريو دوما أنه سيتم اختيار الناس الذين من الممكن أن تستفيد منهم البشرية ويتم التخلص من الباقيين (وكنت اعتبر نفسي من الباقيين) لذلك وجدت نفسي أعمل في مجالات كثيرة وهاجرت وسافرت كثيرا.. ولكن لم أجد نفسي في اي مجال عملت فيه.. سواء عندما عملت في مجال الامن، أوهندسة الشبكات، وصناعة الافلام، وتاجير السيارات والتجارة العامة.. صدقا لم أجد خالد الجابر في أي منها .
وأخيرا قررت أن اخوض تحد كبير كان خطر على حياتي وقررت أن أحترف الترحال والمغامرة على الدراجة النارية.
وحتى عندما قررت بمحض ارادتي لم يكن الأمر سهلا فواجهت تشكيك في قدرتي الى القيام فيها بما فيهم "اسرتي واقاربي"، وكان الكثير يظنون اني سأرمي نفسي في التهلكة ومصيري للموت.. كنت في كل ميل اقطعه أجد رسائل التشكيك في قدرتي سواء من الاصدقاء او متابعي القناة التي كنت اعرض عليها يوميات الرحلة.
وهنا لا بد أن أذكر قائد الرحلة كيفن ساندرز كان قال لي اذا شعرت بعدم القدرة في اكمال هذه الرحلة سأستبعدك فورا.. ولسوء حظي عند وصولي لنقطة البداية سقطت الدراجة وتعثرت عليها وكان من اكثر المواقف المحرجة بالنسبة لي.
لكن هذه اللحظة هي لحظة الاصرار ولحظة القرار الصعب خصوصا مع قلقي بانني مهدد بالاستبعاد في اي لحظة.
وهنا جاءت النتيجة على غير ما توقعت ففي نهاية الرحلة قال لي: استطيع أن أقول انك شخص محترف في مجال المغامرة بالدراجة النارية واستطعت أن تقدم ما عجز عنه الكثيرين حول العالم.
وبالمناسبة كيفن ساندرزهو أستاذي ومثلي الأعلى وصاحب رقمين قياسيين في غينيس حيث قام بلفة حول العالم بالدراجة النارية في ١٩ يوم وقطع اطول طريق على الكوكب في ٣٥ يوم في العام ٢٠٠٣ في حين أنا استغرق عبوري عليه ٥ شهور وعندما وصلت الصين هنأني وقال لي الكلمة وكان يدرك تشتتي فقال: "ركز في هذا لأنه حلمك الكبير". بعدها تخليت اشياء كثيرة منها عملي .. وقبلت التضحية وتخليت عن أمور عديدة مرتبطة بعملي كل هذا لاني رفضت اكون "الفراشة التي أرادوها مقيده في صندوق مليء بالبسكويت".
تحديات كبيرة
ومن اكبر التحديات التي ستبقى مسجلة في ذاكرتي رحلة طريق الحرير كأول عربي يقوم برحلة على طريق الحرير فقطعت رحلة عكسية من بريطانيا مرورا ب 16 بلد هضبة التبت ومخيم المتسلقين في ايفريست على ارتفاع 5380 م عن سطح البحر وصولا الى بكين خلال مدة إستغرقت 3 شهور فكانت بالفعل رحلة متعبة وصعبة لكن هنا تحديدا وجدت نفسي وحصلت على اجابات ابحث عنها منذ زمن طويل بالرغم أن الناس كانوا ينظرون الي بأنني مغير وملهم وقائد في مجال صناعة الافلام ومهندس بالرغم من صغر سني لكن من داخلي لم اكن مقتنع حتى دراستي كنت أشعر أنني غصبت عليها فكان الترحال بالنسبة لي هي البحث عن الذات والبحث عن ضالتي فقطعت مسار طريق الحرير بطول 22 الف كيلو للبحث عن اجابات لماذا تركت عملي؟ وبيتي؟ واسرتي؟ الى ان انهيت الرحلة وصولا الى العاصمة بكين فوجدت كل الاجابات وعندها شعرت بحاجة للبكاء وبحرقة ولكن كان بكاء الفرح بالرغم من أنني كنت في السابق اضحك على الناس التي تضحك من الفرح .
رحلة بين القطبين
ويواصل الرحال العالمي الحديث مغامراته ويتوقف عن رحلته بين القطبين التي استغرقت خمسة شهور متواصله فقال: "كانت من اصعب الرحلات من أعلى نقطة في شمال الكرة الارضية الى اقصى جنوب الكرة الارضية "من الاسكا الى نشوايا في الارجنتين" اقصى نقطة في جنوب الكرة الارضية وأطول مسار متصل على الكرة الارضية يبلغ طوله 40 الف كم قطعتها خلال مدة زمنية استغرقت خمسة شهور وأقول أنها من اصعب الرحلات لأنني اضطررت لأن أترك عملي لاجل هذه الرحلة وضحيت بالكثير من الاشياء التي كنت مجبرا على التنازل عنها مقابل تحقيق الحلم ,فتعلمت أن اكون انسانا يقدر ما يملك فكيف ممكن للشخص ان يقدر الحياة بما يملك وهنا أذكر موقف انني كنت اقف على حفة واد في المغرب واسمع صوت الاذان وقف بجانب شخص مغربي وسألني من اي بلد أنت فقلت له بأنني قطري فقال لي انتم تملكون كل شيء فأجبته أنني بالرغم من هذا الشيء لا أشعر بالسعاده فقال لي انا اعمل على سائق تكسي ولدي طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة لكني سعيد بما أعمل وهنا أدركت أن السعادة ليست بما تملك من مال ولمست هذا الأمر أيضا في رحلتي في المغرب عندما التقيت مجموعة من الاطفال الذين تجمعوا حولي في احد المناطق ولم يكن لدي اي شيء لتقديمه لهم كهدايا اقدمها للأطفال مثل اقلام او الوان او ميداليات لم املك الا قلم واحد لا استغني عنه فاجبرت على أن اعطي طفلة غطاء القلم ومع هذا وجدت السعادة تملىء عينيها لمجرد غطاء قلم من رحاله التقته صدفة فأدركت أن هناك اطفال يملكون كل شيء ولا يشعرون بالسعادة وأطفال في أماكن أخرى يشعرون بالسعاده بأمور بسيطة للغاية ويقدرون الحياة بالشيء الذي يملكوه مهما كان صغيرا لذلك وجدت نفسي اضحي بالكثر من الاشياء مقابل معنى الحياة.
السندباد الرحال
وكشف المغامر الجابر الذي لقب ب "السندباد" النقاب زيارته الى82 دولة ويحلم ان يصل الى تحقيق احلامه بأن يصل عدد الدول التي سيقوم بزيارتها الى 100 دولة مع حلول العام 2022 ومنها الاردن الذي سيكون على اجندة رحلاته قريبا من خلال مشروع عربي كبير تحت شعار (توحيد الفن والتراث العربي) مشيرا الى انها رحله طويله تبدأ من موريتانيا حتى اليمن.. غير السفر بالدراجة، وستركز هذه الرحلة على عالم الازياء والفولكلور والموسيقى والاكلات العربية التقليدية ومقابلة المختصين بهذا الشأن وفي كل بلد يتم الترويج لها مهن خلال ارتداء ملابسها التقليدية الخاصة بها.
التبت.. والتصالح مع الذات
لقد كانت التبت من الرحلات المفصلية في حياتي لأنها تعطيك المجال للتأمل في ملكوت الله حضاره عجيبه تجبرك على أن تتأقلم مع طبيعة المنطقة فبقيت مدة اسبوع بدون استحمام تجربة قاسية عليك ان تأكل كل شيء لتبقى على قيد الحياة وتنام في اي مكان فكانت لحظة "التبت" لحظة تصالح مع الذات مع نفسي ومع الاخرين خاصة وان شعب التبت شعب متسامح بطبيعته وهاديء بالرغم من الصعوبات والتحديات الموجوده لديهم الا ان لديهم طبيعة تجعلك في عزله عن العالم وكأنهم يقولون لك العالم جميل بدون الأخبار السيئة.
وهنا يوجه الجابر رساله الى من يعشقون السفر فيقول:" اصنعوا ذكرياتكم في اماكن خاصة ولا تكرروا نفس الاماكن بحثا عن الفنادق والأسواق اكتشفوا ما خلف الصورة لتصلوا الى اعماق الجمال وهذا ما اكتشفته حتى في بلدان الثورات التي زرتها مثل نيغاراغوا وافغانستان العالم جميل بدون سماع نشرات الاخبار وهناك مناطق لا يمكن أن أنساها مثل زامبيا وشلالات فيكتوريا وبركة الشيطان التي مارست فيها السباحة الى جانب التبت وسور الصين واقليم بيتاغونيا بين الارجنتين وتشيلي ولا أبالغ اذا قلت انني اخذت اهم قرارات حياتي وانا على متن الدراجه.
وبعد هذه المحطات يقول المغامر العالمي خالد الجابر : "لن أقضي عمري كله في السفر هذه الرحلات هي مقدمة لحلمي الكبير لقد اسست شركة للدراجات النارية في المانيا وسأركز فيها على الترحال في ارجاء العالم وتقديم كل التسهيلات للرحاله العرب والعالميين وساتخصص في تدريب الدراجين المغامرين في هذا المجال وايضا سأحضر لكتاب قريبا وانشاء اكاديميه تدريبية ومرحلة اخيرة تأسيس خط خاص بملابس الدراجات في الرمال والجبال."
وبالرغم من الانجازات الكبيرة التي وصل اليها الجابر الا انه يؤكد ان الدعم الاعلامي مطلب بالنسبة له حتى يتمكن وغيره الحديث عن تجاربهم لتكون طريقا لمن سيعقبهم ويدركون الايجابيات والسلبيات التي مروا فيها مطالبا بمساحات اعلامية تنصفهم وليس مجرد لتعبئة الفراغ في اي مساحة اعلامية وبالحديث عن اكثر المواقف التي افرحت الجابر يقول:"لدى عودتي للدوحه بعد نهاية احد الرحلات وجدت والدي في استقبالي وكانت سعادتي لا توصف بعد اعتقادي انه والدي لم يكن لديه رغبه بان اقوم بهذه الرحلات اما عن المشاهد المؤثرة خلال هذه المسيرة فهي كثيرة خاصة عندما كنت ازور دول فقيرة واشاهد الظروف القاسية والاطفال واستوقفني مشهد لن انساه في الهند في احد المخيمات التي تشرف عليها احد الهيئات حيث كان يقوم الاطفال بخدمة العاملين في الهيئة بتحضير طعامهم حتى بتنظيف احذيتهم مشاهد مؤلمة تتنافى مع الاخلاق والانسانية .
شكرا لأخي د.حمد الجابر وقبل ان يختم الجابر حديثه توقف قليلا ليتحدث عن احد اكبر الداعمين لمسيرته وهو شقيقه الأكب الدراج القطري والجراح المعروف د. حمد الجابر الذي وقف الى جانبه كأخ ورياضي وداعم لمسيرته الرياضية فقدم الدعم له لرحلتي طريق الحرير وبين القطبين وكان الداعم الرسمي ويضيف:" لقد ساهم وقوفه الى جانب في تحقيق جزء كبير من احلامي وكنت مدين له بان اذكر اسمه دوما في رحلاتي الى جانب الوسم الخاص بعيادته من خلال التغطية في وسائل الإعلام.
فيما نختم هذا الحوار بالكلمات التي قالها شقيقه الاكبر الجراح الدكتور حمد الجابر الذي لطالما كان يتحدث بكل فخر عن انجازات شقيقه كواحد من اهم المغامرين في المنطقة حيث قال:"لحظات الانتصار أو الإنجاز شعور لا يضاهيه أي شعور قد لا تتمكن من تحقيق احلامك ولكن عندما يتحقق الحلم من اقرب الناس اليك تعيش نفس الفرح ونفس الشعور بالانجاز مشيرا الى فخره واعتزازه بما حققه خالد الجابر خلال مسيرته الرياضية .