من أصعب ما تخط يد الكاتب أن يرثي أحداً من أهله .. ومن أشد انواع الشعور بالقسوة والألم أن يكون هذا الحبيب هو الأم ،
منذ مقالي الأول لم يعجز لي لسان ولم ينكسر لي قلم، كتبت في كُلَّ شَيْءٍ،وتحدثت في كل الامور، كنت أتابع ردات الفعل فافرح بها، وينتابني شعور الفخر، ولكن عندما اردت أن أرثي أمي عُدت مكسورَ القلم!! ومرتجف اللسان و كأن ردات الفعل قد أعادتْني كالطفل يبحث بين الحروف من جديد فلا ينطق اللسان الا كلمة يمه يمه ، (وهي اول كلمة نطق بها اللسان )،يتبعها البكاء والحاجة والخوف ،
من انا لكي أرثيك ، وهل يعقل أن يُرثى الجَلالُ والكِبرياءُ؟ هل يُرثى الحب والصدق والحنان ، هل لعاجز مثلي ان يتكلم والدمع يخط المشاعر قبل الحروف...
أربعين يوماً لا تفوتنا تكبيرة الا ويسبق الدعاء البكاء.. أربعين يوماً قلبت حياتنا همّاً وناراً.. وجحيماً مستعراً ، أربعين يوماً وما زال الجرح ينزف ولن يندمل...
يمه وما اجملها من كلمه ، لو كان بكائي يجدي لبكيت حتى جفت الدموع ، ولو كان الرثاء يطفئ في قلبي الجمر، لجعلت من دموعي لكلماتك حبراً، يا أقصر الدروبِ بين الأرضِ والسماء، يا دمعةً كبيرةً تجولُ في الأجفان..
يمه عليك رحمة الله...
تعرفين صدقي وأعرف أنك تحبّين هذا الصدق واقسم بالله لن اكذب عليكِ بعد اليوم ، فقد رحلت من كنا نكذب خوفا على مشاعرها ، ساكشف واقعنا وبصدق، باختصار اصبحنا يمه باسواء حال نُواسي بعضَنا بعضاً ، ونرسمُ دمعنا جهراً ،...
سأبدأ بنفسي ابنك ابو (لسانين) ما عاد يرغب بالكلام ولا الكتابة ، اصبح كالطفل الدلوع سريع البكاء حتى على ابسط الامور ، فاقد الامل في الحياة، ببشرك يمه بخصوص قطرات العين لم اعد استعملها كثيرا فالدموع متوفر وبكثرة والجفاف قد زال...
تعرفين يا غالية ، صرت اذهب الى غرفة خالد وعمر خلسه في الليل ،لاشاهد كيف يضعون كفّ اليد، تحت خدّهم مثلك،فيزداد شوقي شوقا ويصيح الفجر دون نوم ...
بدك احكيلك عن ابوي رفيق عمرك ،من كان يطوف حولك كل يوم ليرعاكي، اصبح يمه لايبوح لنا بالالم، يحاول ان يخفي عنا ذلك ،يوم الجمعة تابعت حركاتة بعد ان عاد من صلاة الفجر ، زار قبرك، جلس وحيدا خارج الغرفة تحت شجرة الزيتون التِي تحبُيِنهاَ لاكثر من ساعتين ولم ينطق بكلمة ، وعندما اكتشف امري، حاول ان يوهمني بانه سينام ولكن هيهات هيهات فالدموع تكشف ما في القلب من حزن ، بتعرفي يمه لم يكترث بعدك بنوع الفطور ولا الغداء ، حاولت ان أجس نبضه من اين اشتري الحمص واللبن والحليب والخبز فلم يعلق ولم يهتم ، لم يشرب شاي مع الفطور وانت تعليمن عشقه لشرب الشاي وخصوصا من يديكي فقد ايقن انه قد تغير طعمه ورحلت حلاوته ،
بدك احكيلك عن حيدر اول عشقك وسرك في الحياة ابو عبد القادر يمه صاحب القلب الصلب اصبح كالطفل الهارب من الطوفان ، يحاول ان يوهمنا انه تعود على الحياة ولكن عيونة السوداء لا تكذب،ودموعة حفرت على خده الاسمر طريق من الحزن والعذاب ..
ابنك الغالي ابو صهيب، (خيال الزرقاء) سيغادرنا الى مصر ليكمل دموعة على ضفاف النيل، فما عادت غرف البيت تتسع لحنينه ونحيبه ،يزور قبرك كل يوم وقبل بزوغ الفجر ويصيح بصوت المذبوح ماتت التي كنَّا نكرمك لأجلها يا ابا صههيب..
ابو محمد يمه (قريد العش) شاب شعره وتغيرت ملامحه، لم يعد يرغب بالذهاب الى خواتي بدونك كما يفعل كل جمعة ، أصبح صوتة جميل جدا وخصوصا عندما يردد أغنيتك المفضلة (يا دار منتي دارنا العام لوّل خنتي بينا والله يخونك دار)..
اما خواتي ويا وجع خواتي فمنهن من اصابها المرض دون سابق عهد، ومنهن من اصابها الصمت فكلامها دموع ونومها حلم،ملابسك اصبحت لباسهن المفضل ، لم تجف لهن دمعة ولم يهدئ لهن بال الى الان ،
احفادك يمه كبيرهم وصغيرهم ذكرهم وانثاهم ملو من الحياة ، يرددون كل يوم كل يوم، يرحم ايامك يا جدة ويرحم هذا القلب الطاهر فيزيد همنا هما وحزننا حزنا..فسبحان من خلقك ملاك يحمل داخل قلبه كل هذا الحب ...
يمه انا على يقين ان صوتك الحنون يهتف من قلبك الصادق كما كان يهتف من قبل اذا انتوا بخير انا يمه بطرفكم..اتمنى من الله ان يرفع درجاتك في عليين وان يجعل ماواكي الجنة..
وداعاً يامن كنت لنا أماً وأباً وأخاً وصديقاً..
وداعاً بحجم صدقك وحنانك وبساطتك وصبرك..
وداعاً بحجم الغصة و الحزن والالم الذي عشعش في قلوبنا ..
وداعاً يا صاحبة الوجة الطاهر يا كل الفرح والحياة والامل
وداعاً يمه موعدنا بالجنة ، نامي قريرة العين يا غاليتي فحكاية حبك في قلب كل من عرفك لن يعرف لها نهاية حتى نلقاك بإذن الله ..
الرجاء من كل من يشاهد مقالي هذا ان يترحم على والدتي نوير بني عواد ام حيدر وامواتنا جميعا اللهم امين يارب العالمين ...