عاشت المنطقة العربية وما زالت تعيش أحداثا أسفرت عن تحولات كبرى ومهمة، يمكن أن تعيد رسم ملامحها في الفترة المقبلة، الأمر الذي يتطلب الحذر واليقظة، وإعادة التموضع الاستراتيجي والسياسي، حفاظا على حاضر وحضارة المنطقة، ومستقبل أجيالها، فنتيجة لما حدث ويحدث، باتت المنطقة مسرحا لسباق العديد من المشاريع والصفقات، لاكتساب النفوذ تارة، وسعيا للتأثير في قرار السيطرة والإحكام عليها تارة أخرى؛ من هنا جاءت رسائل جلالة الملك برؤيته الثاقبة ورويته واستباقه للأحداث وكما عهدنا في جلالته الجرأة و الصراحة في التعبير عن رأيه وبما يمتلكه من حنكة سياسية وقدرة على استشراف المستقبل، وجه جلالة الملك رسائل مهمة على الصعيدين الداخلي والخارجي وهو يتفقد احوال المواطنين ويتابع المشاريع التنموية في جنوب مملكتنا الحبيبة عندما قال "كلا واضحة جدا للجميع :
الرسالة الأولى : أن الأردن لن يكون وطناً بديلاً
الرسالة الثانية : أن الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية باقية
الرسالة الثالثة : أن مدينة القدس "خط أحمر”.
الرسائل الملكية التي وجهها جلالة الملك بينت حجم الضغوطات التي يتعرض لها الاردن تحديداً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وخاصة القدس حيث شدد جلالته على ان الضغوطات لن تثنيه عن موقفه تجاه القدس والمقدسات والقضية الفلسطينية.
جلالة الملك وفي كل لقاءاته وأحاديثه محلياً وإقليمياً وعالمياً وفي كل المحافل أكد ويؤكد على حق الفلسطينيين في تأسيس دولتهم على أرضهم وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، الامر الذي يتطلب منا أن نقف جميعاً صفا واحدا خلف قيادة جلالته لمواجهة التحديات خاصةً التي تستهدف القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
ولم يكن قرار الأردن بفك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية، باستثناء القدس والأماكن والمقدسات الإسلامية في الضفة الغربية، إلا لسحب البساط من تحت أقدام جميع الراغبين في اللعب على ايجاد تناقض فلسطيني - أردني، بشأن السيادة على الضفة الغربية والقدس، ويلغي إلى الأبد فكرة الوطن البديل.
فالأردن لا ينظر للقضية الفلسطينية والقدس على أنها قضية قومية أو قضية تخص طرفا دون آخر، فهي قضية مركزية وطنية أردنية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالأمن الوطني الأردني. أما استثناء القدس من قرار فك الارتباط القانوني والإداري فقد جاء حفاظا على مكانها ومكانتها المقدسة إسلامياً ومسيحياً، وتجاوبا مع واجب الهاشميين التاريخي في الوصاية على هذه المقدسات ورعايتها وهو ما كرسته اتفاقية الوصاية التي وقعها جلالة الملك عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس في أذار العام الماضي لتكريس شرعية وقانونية هذه الوصاية الممتدة عبر التاريخ.
فقد حظيت القدس والمسجد الأقصى المبارك برعاية خاصة من الهاشميين، من خلال أربعة إعمارات متميزة وعظيمة للمسجد الأقصى المبارك، وقبة الصخرة المشرفة في إطار عناية الهاشميين الشاملة بالمدينة المقدسة، حيث يعزز الإعمار الهاشمي الهوية العربية الإسلامية لها بإعادة بناء واستدامة المقدسات فيها وتقديم الدعم المالي والمعنوي بما يسهم في الإبقاء على أهلها صامدين ومرابطين، وسيبقى الأردن ومن منطلق الوصاية الهاشمية على المقدسات مستمراً بدوره الديني والتاريخي في حمل الأمانة وأداء الرسالة في حماية ورعاية المقدسات الاسلامية والمسيحية والتي ورثها عن الاباء والأجداد.
نقف جميعا اليوم مؤيدين لجلالة الملك في دفاعه عن مصالح الوطن و ثوابته وحقوق أبنائه ومواقفه التاريخية الصلبة والمشرفة تجاه القدس ومقدساتها الاسلامية والمسيحية، ومثمنين جهود جلالته الدؤوبة في الحفاظ على عروبة القدس وهويتها، ومعاهدين بأن نبقى على الدوام الجند الأوفياء نلبي نداء الوطن والواجب في كل الظروف والأوقات.
بقي أن أقول أن تماسك ولُحمة الجبهة الداخلية هو السبيل لمواجهة التحديات التي تواجه مملكتنا الحبيبة، وأن لا محيص ولا منجاة إلا بالوعي الرشيد والرأي السديد، و أسأل الله عز وجل أن يحفظ مملكتنا ومليكنا وشعبنا، وأن يديم على بلادنا أمنها واستقرارها، وهي ترفل بالعز والمنعة والتقدم.
وكل عام وجلالة سيدنا بخير.
*مدير التوجيه المعنوي / الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة الاردنية -الجيش العربي، سابقا .