تساؤلات تعتري النخب السياسية والمهتمين بالشأن العام حول الانتخابات النيابية وموعدها، والخيارات الدستورية بشأنها، وتلك الظروف السياسية التي سترافقها، وإمكانية استمرار الحكومة الحالية في إدارة الشأن العام لما بعد انتهاء الدورة العادية الأخيرة لمجلس النواب.
كل هذه التساؤلات تنطلق من الأمنيات تارة، والتوقعات تارة اخرى والمخاوف تارة ثالثة، وفي كل الأحوال تبقى الخيارات الدستورية والسياسية لإطالة عمر الحكومة ومعها بالضرورة مجلس النواب واردة ومحتملة ما لم يقارب الاحتمال السياسي عوامل المفاجأة والمباغتة الناجزة التي اعتدنا عليها في العقود الأخيرة.
الأصل الدستوري هو التعامل بشفافية في تنظيم أداء السلطات الدستورية، ومعيار الشفافية يقتضي أن يُطبق الأصل ويُضيّق على الاستثناء إلى أقصى حدٍّ، والأصل الدستوري يقتضي أن يُكمل مجلس النواب مدته الدستورية والبالغة أربع سنوات شمسية تبدأ من تاريخ نشر نتائج الانتخابات النيابية في الجريدة الرسمية وفقاً لأحكام المادة (68/1) من الدستور، والذين يقولون أن ثمَّة عرف دستوري بحل مجلس النواب قبل أوانه تجسيداً لمبادئ العدالة بين المرشحين هو قول محل نظر؛ لأن المشرع الدستوري لا يلغو ولا يغلو، والعرف لا ينهض في وجود نص، ولا يستند إلى استثناء أشار إليه المشرع للضرورة لا يجوز الاستناد إليه كقاعدة ولا يبنى عليه عرف.
الخيار الأصيل للعمل البرلماني هو أن يُكمل المجلس مدته الدستورية، ويسلّم العهدة الدستورية للمجلس الذي يليه، وعندئذٍ فقط نتجنب العقوبة الدستورية الواردة في المادة (74/2) من الدستور والتي أوجبت على الحكومة التي يُحلُّ المجلس قبل أوانه في عهدها عليها أن تستقيل خلال إسبوع من تاريخ الحلّ، ولا يجوز لرئيسها أن يكلّف بتشكيل الحكومة التي تليها، وهذا تطبيق حصيف ووافٍ للفصل والتوازن بين السلطات، ويعالج حالة الإرباك والشطط الذي كان يعتري المناخ العام في كلّ الانتخابات التي جرت منذ عودة الحياة النيابية في عام (1989)، والتجاذبات السياسية التي رافقت حلّ مجلس النواب في كل مرة.
إذا أجريت الانتخابات النيابية في الأشهر الأربعة الأخيرة أو حتى بعدها؛ فإن الحكومة ستتجنب العقوبة الدستورية بعدم تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة التي تليها وإن كانت ملزمة بالاستقالة عند انتخاب المجلس الجديد، ولكن هذه المرة مع جواز أن يُكلّف رئيسها بتشكيل الحكومة الجديدة، وأما إذا انتهى عمر المجلس دون أن تجرى الانتخابات النيابية؛ فإن مجلس النواب يحتفظ بكافة سلطاته الدستورية، ويبقى قائماً بموجب أحكام الدستور، ويعود للانعقاد دون الحاجة إلى تطبيق أحكام المادة (78/1) من الدستور.
ويلاحظ هنا أن المشرع الدستوري قد فرّق بين انتهاء مدة المجلس دون إجراء الانتخابات، وإصدار القرار بحلّ المجلس دون إجراء الانتخابات خلال الأشهر الأربعة التي تلي الحلّ؛ إذا رتب في الحالة الأولى استمرار عمل المجلس وعدم اشتراط استقالة الحكومة في حين أنه أوجب استقالة الحكومة في الحالة الثانية وعدم جواز تكليف رئيسها من جهة، واستعادة مجلس النواب لذاته وكافة سلطاته الدستورية وفقاً لأحكام المادة (73/2) من الدستور، ويتضح من ذلك أن المشرع الدستوري قد حرص على ضمان عدم تغوّل أي سلطة على أخرى.
وقد أجاز الدستور للملك أن يمدد عمر مجلس النواب مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سنتين، وفي هذه الحالة تطبق كافة الأحكام المتعلقة بدعوة المجلس للانعقاد، وأرى أن للملك تمديد عمر المجلس مرتين؛ في كل مرة سنة أو أن يمدد لمرة واحدة سنة أو سنتين، ففي الحالات الثلاث لا يجوز حلّ المجلس قبل انتهاء المدة الواردة في الإرادة الملكية، فاذا تم حلّ المجلس قبل انتهاء تلك المدة يتم تطبيق العقوبة الدستورية الواردة في المادة (74/2) من الدستور، وهذا يعني أن التمديد يعطي ذات الأحكام التي سبق الإشارة إليها، وعند التمديد فإن الحكومة يمكن استمرارها دون الحاجة إلى ثقة أو بيان وزاري جديدين بشرط أن لا تنسب بالحل قبل انتهاء فترة التمديد.
خيارات الحكومة في الاستمرار تدور بين التمديد لعمر المجلس أو إكمال مجلس النواب لمدته الدستورية دون حلّ، والدعوات لحلّ مجلس النواب قبل أوانه قد يكون مطلب سياسي للقوى الاجتماعية والسياسية، ولكنه لا يتعلق بمبادئ العدالة الدستورية والنضج السياسي، فالإرادة الشعبية كإحدى أركان الحكم النيابي يجب أن تكون حاضرة دائماً، وهذا لا يمكن أن يتأتى دون إكمال مجلس النواب لمدته الدستورية، وهذا هو الرأي الأفضل برأيي، أما التمديد فهو حق دستوري للملك ولا أظن أنه سيتم استخدامه إلا للضرورة القصوى.