المرحوم محمد فلاح العابد الدعجة يتحدث عن عمان أيام زمان
إعداد / عمر العرموطي/ موسوعة عمان أيام زمان
وصلني بالأمس من أخي وصديقي المحامي الأستاذ حسين محمد فلاح العابد الدعجة صورة المرحوم َوالده٠٠٠لأنه تصادف في هذه الأيام الذكرى السنوية الثانية لوفاة المرحوم... ومن باب الوفاء للمرحوم الشيخ محمد فلاح العابد الدعجه / ابو عبد الله الرمز العشائري الأردني الكبير... الذي كنت إناديه بـ ياعمي... وهو الكريم الشهم الأصيل... فأنني يشرفني أن أقدم هذه المقابلة النادرة التي كنت قد أجريتها مع المرحوم في موسوعة عمان ليطلع عليها أهالي عمان وعشائر البلقاوية خاصة وأبناء الأردن في مختلف أنحاء الوطن الجميل عامة... وتالياً نص المقابلة:
الشيخ محمد فلاح العابد الدعجة يتحدث عن عمان أيام زمان
إعداد / عمر العرموطي
تمهيد
تاريخ عاصمتنا الجميلة عمان أبيض وناصع وممتع، وهو ملىء بالمواقف المشرفة لأهالي المدينة ولا سيما المؤسسين منهم... أيام زمان كان بعمان رجالات كبار على مستوى التحديات قاموا بالبناء ونحن من بعدهم بنينا على ما بنوا عليه... ولولا الإرث العظيم الذي تركوه لنا لما وصلت عمان إلى ما وصلت إليه من تقدم وازدهار في مختلف الميادين.
عشائر الدعجة هم من أقدم العشائر العمانية ولها تواجد واضح وكبير في عمان ومحيطها منذ زمن بعيد، وكان لهم دور كبير ومشرف في تاريخ عمان وهم من أوائل العشائر الأردنية التي استقبلت ورحبت وآزرت الملك المؤسس عبد الله الأول ابن الحسين بن علي عندما جاء إلى عمان عام 1921م حيث تمت البيعة عند المدرج الروماني والتي شارك فيها شيوخ ورجالات العشائر الأردنية وأهالي ووجهاء العاصمة عمان وباقي المدن الأردنية.
... الشيخ فلاح العابد الدعجة (أبو مرزوق) هو أحد أركان العشائر في عمان ومحيطها وهو ركن مهم للعشائر الأردنية وكان له دور كبير في تاريخ عمان، وكان قريباً من الملك المؤسس (طيب الله ثراه) وله مواقف مشرفة يعرفها جيداً أبناء عشائر الدعجة وأهالي عمان وأبناء العشائر الأردنية... بعض هذه المواقف يعرفها الناس وبعضها بحاجة إلى تسليط الضوء عليها كي تكون عبرة لأبناء الأردن قاطبة...
... من هذا المنطلق قمت قبل أكثر من سبع سنوات بتدوين وجمع تاريخ العاصمة عمان (التاريخ الشفوي) من خلال الإلتقاء برجالات عمان وأبناء المؤسسين فيها بحركة مكوكية (ذهاباً وإياباً) إلى منازلهم ومواقعهم من أجل جمع وتدوين تاريخ المدينة واسترجاع شريط الذكريات وحماية هذا التاريخ الناصع من الإندثار (بعض الحكايا والسواليف والأحداث) التي قد لا نجدها مدونة بالكتب المنشورة لذلك فقد استطعت وبتوفيق من الله من جمع كم ضخم من المعلومات (بعضها) سمعته لأول مرة، واستطعت أن أتعرف على تاريخ عمان ورجالاتها وأهم الأحداث فيها بشكل أوسع وأشمل وأدق..
نجدد الاقتراح بأن تقوم أمانة عمان الكبرى بالاشتراك مع (الجامعة الأم) – الجامعة الأردنية – والأجهزة الإعلامية والثقافية ذات العلاقة ممثلة بمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردني ووزارة الثقافة وغيرها من الوزارات والمؤسسات المعنية بالاشتراك مع الفعاليات العمانية وأبناء المؤسسين فيها بأن يصار إلى الدعوة لانعقاد ندوة موسعة سنوية من أجل جمع السواليف والحكايا والأحداث بما تمثله من سياسة وتاريخ وعادات وتقاليد وفن وقصص شعبي وتراث ثقافي... الخ... هذه الحالة العمانية بحاجة إلى دراسة عميقة ومراجعة مستمرة نتمنى بأن يتم الإهتمام بها بشكل أكبر من قبل المسؤولين والأكاديميين والمؤرخين وأهالي العاصمة عمان وأبناء المؤسسين فيها والوزارات والدوائر والهيئات والمؤسسات ذات العلاقة...
... من أجل تدوين تاريخ عاصمة المجد عمان، ومن أجل جمع الذاكرة الشفوية حيث يرقى هذا العمل إلى الضرورة الوطنية زرنا الشيخ الكريم والعماني الأصيل الشيخ محمد فلاح العابد الدعجة (أبو عبدالله) بديوانه العامر في بلدته الوادعة التي يعرفها جيداً أهالي عمان وأبناء العشائر الأردنية وهي (صالحية العابد) بالقرب من ماركا وطريق الحزام الدائري... والشيخ (أبو عبدالله) هو من شيوخ عشائر الدعجة المعروفين ومن أعلام العشائر الأردنية وهو نجل المرحوم الشيخ فلاح العابد الدعجة الذي كان يعتبر من المؤسسين للعاصمة عمان وله مواقف مشرفة يعرفها الجميع... يمتاز الشيخ محمد فلاح العابد الدعجة بالطيبة والكرم العربي الأصيل والبساطة والوضوح وديوانه في صالحية العابد مفتوح باستمرار لجميع أبناء عشائر الدعجة وأهالي عمان والعشائر الأردنية من مختلف أنحاء الوطن وقد تخرج من (مصنع الرجال) جيشنا العربي الباسل ومن مدرسة الهاشميين بالديوان الملكي العامر... وبعد أن تقاعد تفرغ لإصلاح ذات البين فهو يخرج دائماً بالصلحات والجاهات والعطوات لحل المشاكل العشائرية وإحلال الصلح والوئام بين الناس بدلاً من الخصام والشقاق... فاستعاد (أبو عبدالله) شريط الذكريات وحدثنا بصراحته وعفويته عن تاريخ عمان وعشائرها وعن مواقف هامة لوالده المرحوم الشيخ فلاح العابد الدعجة جديرة أن يعرفها أبناء عمان وأبناء الأردن في كل مواقعهم...
فكان لنا هذا الحديث الشيق الجميل عن عمان أيام زمان حيث تحدث لنا (أبو عبدالله) فقال:-
أنا مواليد ماركا عام 1939م.
عام 1948م أحضر والدي (رحمه الله) شيخاً اسمه محمد سلامة أبو شوشة من رام الله ليعلمنا القرآن واللغة العربية في بيت الشعر برميدان والماضونة وقد درس معنا حوالي 25 شخصاً كان منهم من أبناء الدعجة 16 طالباً و10 طلاب من الدبايبة وكنا نتلقى تعليمنا في بيت الشعر... أتذكر من زملائي الطلاب خلف العبد الله الدعجة ويوسف الخليف الدعجة وعدد من الدبايبة... وقد استمر الشيخ محمد أبو شوشة في تدريسنا لمدة سنتين وهو يتنقل معنا صيفا وشتاء وينام في بيتنا ويأكل ويشرب وكان هؤلاء التلاميذ يأتون من مسافات بعيدة... وكان جزء من بيت الشعر مدرسة وكنا نلعب كرة القدم... وكنا نلعب بطابة (7 جلود) وفيما بعد أحضرنا كرة عادية... وأتذكر والدي الشيخ فلاح العابد الدعجة والشيخ جويبر بن حظيظ الذي كان يعمل مستشاراً للعشائر بالديوان الملكي قد لعبا معنا حتى أن الشيخ جويبر ضرب برجله الكرة وقد انشد حذاؤه... كان لوالدي رحمه الله الفضل في تعليمنا ومعظم أبناء الدعجة الذين كانوا يرتحلون ويتنقلون... وأخيراً عندما ختمنا القرآن عملوا لنا (زفة) بالماضونة ونحن نغني (طلع الفجر علينا من ثنيات الوداع) وحملنا بأيدينا البيارق (الأعلام) حتى مشارف الدبايبة...
لذلك يعود الفضل للوالد وللشيخ أبو شوشة الذي قام بتدريسنا... فكان والدي يعطيه راتباً ويؤمن له المنامة والطعام والملابس.
عام 1949م وبعد أن ختمنا القرآن الكريم... كان والدي برفقة الملك المؤسس عبد الله الأول أبن الحسين بن علي (طيب الله ثراه) وكان من رجالاته ومرافقيه أثناء تنقلات جلالته وفي ديوانه العامر وقد سأل جلالته والدي
وقال له: أين تعلم الأولاد
فقال له والدي: أحضرت لهم شيخاً وعلمهم كتاب الله وسنة رسوله...
فقال جلالته: هذا العلم لا يكفي أحضر العيال من أجل أن يدرسوا بمدرسة الفتح بالمحطة وهي مدرسة تابعة للجيش... فأقنع جلالته والدي بهذه الفكرة... علماً بأن والدي (آنذاك) كان يسكن بماركا ويرحل بالصيف باتجاه رميدان والماضونة... بعد ذلك دخلت إلى مدرسة الفتح وقد حددوا المستوى الذي أستحقه بالصف الرابع ابتدائي... واستمريت بالدراسة بهذه المدرسة حتى المترك... أتذكر من زملاء الدراسة عبد الحليم العبداللات، وحماد أبو جاموس، وعمر الهملان، وخليل عجاج، ومرزوق فلاح العابد الدعجة، وأحمد فلاح العابد الدعجة.
أنهينا المترك بمدرسة الفتح والتحقنا بالجيش العربي بمدرسة المرشحين وفي عام 1957م بعد الاستغناء عن خدمات كلوب باشا التحقنا بالكلية العسكرية وأتذكر مديرها اللواء كريم أوهان مدير الأمن العام الأسبق وقد تخرجنا بأوائل الستينيات من القرن الماضي... وأتذكر من الزملاء المرشحين: فاضل علي فهيد، ومحمد سلامة الحويان، وفلاح الرقاد، وسليمان فالح الدبوبي... وغيرهم..
تخرجت برتبة ملازم والتحقت بسلاح الفن بمديرية هندسة الكهرباء والميكانيك وأتذكر من الزملاء الضباط بهذا السلاح سلامة مهاوش الدعجة... وخدمت بهذا السلاح لمدة أربع سنوات.
عام 1966م انتقلت للحرس الملكي الخاص وقد كان قائد الحرس اللواء أنور محمد وبقيت بالحرس الملكي حتى عام 1973م... وقد كنا نعمل باعتبارنا ضباطاً وحرسا أيضاً نرافق المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال في جولاته في بعض الأحيان.
عام 1973م تم نقلي إلى الفرقة الخامسة أثناء فترة تشكيل الفرقة التي كان قائدها المرحوم اللواء الركن عطا الله غاصب السرحان حيث انتقلت هناك ركنا عسكرياً باللواء المدرع تسعين برتبة رائد وقد تم ترفيعي إلى رتبة مقدم... وعام 1976م أحلت على التقاعد برتبة مقدم ركن...
منذ أن تقاعدت وحتى الآن أقضي معظم أوقاتي في إصلاح ذات البين وأخرج في العطوات والجاهات والصلحات ومن أجل خدمة المجتمع وكذلك أهتم بشؤون العائلة وأقاربي الدعجة وجميع المواطنين.
كنت في الماضي رئيس المجلس القروي لصالحية العابد وكذلك رئيس النادي الرياضي، ورئيس تنمية المجتمع المحلي... ورئيس جمعية تعاونية للمزارعين ومربي الماشية شرقي عمان منذ عام 1981م... وعضو في المنظمة التعاونية الأردنية لمدة 4 سنوات.
صالحية العابد:
سميت صالحية العابد على اسم المرحوم والدي الشيخ فلاح العابد الدعجة... حيث قام رحمه الله في عام 1970م ببناء منزل وديوان له.... وأنشأ مدرسة بنات بدأت مدرسة مختلطة وفي كل سنة كان يقوم بإضافة صف حتى أصبحت مدرسة ثانوية... وكذلك الحال فيما يتعلق بمدرسة الذكور حيث قمنا ببناء غرفتين في بادىء الأمر واستمرينا في البناء حتى أصبحت ثانوية.... وبعد ذلك تم افتتاح شعبة بريد ثم عيادة صحية وتم شق الشوارع وايصال كل الخدمات كما تم تأسيس مجلس قروي وأسسنا نادياً رياضياً (نادي صالحية العابد الرياضي الثقافي الاجتماعي)... سكان صالحية العابد كانوا في البداية من الدعجة... وفيما بعد أصبحت الإقامة فيها مفتوحة أمام كل أبناء الأردن... والآن ازدهرت وعمرت وصارت بلدة نموذجية... وقد انضم المجلس القروي إلى أمانة عمان الكبرى عام 1987م بعد أن تحولت أمانة العاصمة إلى أمانة عمان الكبرى... والخدمات متوفرة والبنية التحتية... والكهرباء وصلت إلينا عام 1972م قبل أن تصل لقسم من ماركا الجنوبية... والفضل يعود للأسرة الهاشمية الكريمة...
كان المرحوم والدي رجل الوفاء والإخلاص للأردن والعائلة الهاشمية، وكان يقضي معظم أوقاته في إصلاح ذات البين فيخرج بالجاهات والصلحات والعطوات هو والشيخ إبراهيم الراشد الحنيطي والشيخ نزال العرموطي والشيخ محمد المنور الحديد والشيخ محمد أبو الغنم والشيخ موسى النهار المناصير فكانوا يحلون مشاكل الناس وكانوا يقومون بدور المرجعية في حل هذه المشاكل ونحن أبناؤه نسير بإذن الله على نهجه...
ولوالدي رحمه الله مواقف كثيرة جديرة بالتدوين أذكر منها:
... في الثلاثينيات من القرن الماضي كان المرحوم والدي لا يملك سوى (4 رؤوس من الماعز) وقد ذهب الملك المؤسس عبد الله الأول ابن الحسين من عمان باتجاه الشرق إلى (السيعة) عند ابن شعلان وقد مر الملك والحاشية ومعهم عدد من الحرس على والدي برميدان من أجل أن يرافقهم هو ومجموعة من الدعجة... لذلك كانت نقطة الاستراحة لهم عند والدي برميدان فأخذ والدي معه هذه (الرؤوس من الماعز) التي هي ثروته (آنذاك) وفي الركب وأثناء المسير في الطريق يذبحون رأسا من هذه الماعز كل يوم...
هنا قال الملك المؤسس (طيب الله ثراه): "الله يستر على من ستر علينا"... فلقد عاد والدي إلى منزله وهو لا يملك حتى رأساً واحداً لكنه كان غنياً بأخلاقه ومرزوقاً من الله.
الموقف الثاني أن الملك المؤسس عبد الله الأول ابن الحسين (طيب الله ثراه) كان قد زار مدينة الكرك بالثلاثينيات أو الأربعينيات من القرن الماضي... وبعد أن وصل الملك وحاشيته إلى الكرك استقبلوه بالعرضة الكركية فكانت العرضة تسير حول موكب الملك والحاشية احتفاء بقدومهم وبعد تناول طعام الغداء يجري السباق (طراد الخيل) وعلى ما أعتقد بأن طعام الغداء تكريماً للملك وصحبه كان عند الشيخ ارفيفان المجالي... وبعد تناول طعام الغداء بدأ (طراد الخيل) وأثناء سباق الخيل سبق أحد الموجودين أحد خيول الملك... هنا قال الملك المؤسس للشيخ فلاح العابد الدعجة: "اركب يا فلاح فرسي"...
وبعد أن امتطى والدي صهوة فرس الملك سابق هذا الخيال واستطاع والدي أن يفوز بالسباق... وبعد أن فازت فرس الملك بالسباق وكان والدي خيالها ضربت الفرس التي يقودها والدي بفرس الرجل الذي اشترك معه بالسباق فوقع هذا الرجل من فرسه على الأرض... هنا صاح الملك المؤسس وقال لحاشيته "اركضوا احملوا الرجل اللي وقع وخلوا فلاح يبتعد عن هذا المكان"...
... وقد سمي هذا المكان باسم (رجم سعد) على اسم الرجل الذي وقع من الفرس.
عشائر الدعجة بعمان:
عشائر الدعجة هم طوق عمان من الجهة الشرقية والشمالية والجنوبية وهم أكبر العشائر بالعاصمة عمان وأقدمها وقد كانت الأراضي الواقعة حول سيل عمان ملكاً لهم من الجهة الشرقية والغربية... كما أن عشائر الحديد والبلقاوية كانوا يملكون جزءاً من هذه الأراضي من الجهة الشرقية... وعندما جاء الأمير عبد الله بن الحسين بن علي (طيب الله ثراه) إلى عمان عام 1921م خيم الأمير وحاشيته عندنا هنا بماركا بأراضي الدعجة... وكانت أرض المطار بماركا ملكاً للدعجة وكذلك أراضي المستشفى العسكري (الرئيسي) بماركا... والناس الذي يسكنون عند الدعجة يعتبر حالهم حال الدعجة بالسراء والضراء...
وعشائر الدعجة هم (53 فخذاً) أو حمولة أو عشيرة... منهم (17 عشيرة) من الشبيكات... و(27 عشيرة من الرشايدة) وهم أهل ماركا والهاشمي وصالحية العابد... و(9 عشائر) من الخصيلات يسكنون جنوب عمان.
الاحتفال الكبير في ماركا بمناسبة الانتصار على (الخوين):
شارك أبناء عشائر الدعجة بصد هجوم الإخوان (الخوين) في مطلع العشرينيات من القرن الماضي جنباً إلى جنب مع عشائر بني صخر والعشائر الأردنية في بلدة أم العمد وفي اللبن... وقد استشهد في هذه المعركة فبلان الحمد أبو جاموس وهو من عشائر الدعجة.
... وبعد أن (اندحر الخوين) وانتصرت العشائر الأردنية أقيم في ماركا احتفال كبير برعاية الملك المؤسس عبد الله الأول بن الحسين بن علي احتفال بالنصر وقد جرى ضمن الإحتفال سباق للخيل.
الهاشمي الشمالي (خنيفسة):
الهاشمي الشمالي كان اسمها قديماً (خنيفسة)... الملك المؤسس عبد الله الأول ابن الحسين بن علي قال بأن الدعجة هم جيرانه وبأن هذه المنطقة التي تقع بجانب الديوان الملكي هي ليست خنيفسة بل هي الهاشمي... ونحن سكنا بالهاشمي منذ عام 1951م وبنى المرحوم والدي الشيخ فلاح العابد الدعجة ديواناً له بالهاشمي وقد وصل الشارع المعبد من منطقة المحطة إلى الهاشمي عندما سكنا هنا علماً بأنه كان (زمان) لا يستطيع الوصول إلى منطقتنا وسائط نقل سوى الدواب عندما سكنا بالهاشمي... وأنا أذكر بأنه لم يكن بهذه المنطقة طرق ولا باصات ولا شيء من الخدمات الأساسية والناس كانوا يسكنون بالهاشمي كانوا يقومون بنقل الماء من سيل عمان إلى منازلهم... والدي (رحمه الله) قام بدعوة عدد من الذين شغلوا منصب وزير الداخلية خلال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي إلى مأدبة غداء في ديوانه بالهاشمي وهم:
معالي عبد الوهاب المجالي ومعالي محمد نزال العرموطي ومعالي ضيف الله الحمود ومعهم محافظ العاصمة (ابن عدوان) - عبد المجيد العدوان – ومدير شرطة العاصمة اللواء حكمت مهياروبني بيت شعر على منطقة مرتفعة مطلة على المحطة وقام بتعليق سلاحه على كاسر البيت... وبعد أن تناولوا طعام الغداء قالوا لوالدي: "يا فلاح لماذا علقت سلاحك في بيت الشعر"... فقال لهم والدي (سجن المحطة) موجود بالقرب منا ونحن نخشى بأنه لن يحمينا إلا سلاحنا فنحن نخشى من المساجين من الناحية الأمنية لذلك يجب أن يكون سلاحنا معنا...
فقال المدعوون من وزراء الداخلية وغيرهم من كبار المسؤولين لوالدي: "ما هي نواقصكم أو ما هي مطالبكم للحكومة؟".
فقال لهم والدي: "لا مي ولا كهرباء ولا طريق بالمنطقة؟".
وكان نتيجة هذا الحوار بين والدي والوزراء وكبار المسؤولين أنه خلال فترة الخمسينيات وأوائل الستينيات بأن صدرت التعليمات من الحكومة بإيصال الماء إلى الهاشمي... وكذلك أصدر الحاج محمد علي بدير رئيس شركة الكهرباء تعليماته بإيصال الكهرباء لنا كما تم تعبيد الطريق لذلك تم إيصال الخدمات الأساسية لمنطقة الهاشمي وقد ساهم والدي مساهمة كبيرة في المساعي عند الحكومة من أجل إيصال الخدمات لجبل الهاشمي.
مطار ماركا:
لقد جرى تأسيس مطار ماركا في عمان عام 1951م باسم (مطار عمان المدني) وكان الإنجليز عندما قاموا بتأسيس المطار قد أخذوا الأراضي التي أقيم عليها مطار ماركا على قوشان الأرض التركي... لكن في عام 1953م عندما تم توسعة المطار قاموا بإستملاك جزء كبير من هذه الأراضي من أملاك عشائر الدعجة.
المستشفى الرئيسي:
المستشفى العسكري في ماركا الذي كان يعرف باسم (المستشفى الرئيسي) كان المستشفى العسكري الوحيد الذي يتبع للخدمات الطبية الملكية بالجيش وقد تم شراء أرض هذا المستشفى من عشائر الدعجة عندما كان كلوب باشا قائداً للجيش الأردني.
ومن الجدير بالذكر أن مطار ماركا والمستشفى الرئيسي كان لهما دور كبير وأساسي في تقدم وازدهار وتوسع منطقة ماركا علماً بأن الأراضي التي أقيمت عليها هذه المنشآت كانت ملكاً لعشائر الدعجة.
موقف للشيخ فلاح العابد الدعجة أثناء حرب حزيران عام 1967م:
أثناء حرب حزيران عام 1967م أغارت طائرتان عسكريتان على العاصمة عمان وضربت هاتان الطائرتان مطار ماركا العسكري وعندما كانتا تفتحان نيرانهما على المطار كان المرحوم والدي الشيخ فلاح العابد الدعجة أحد المتطوعين بالدفاع المدني حيث كان في تلك الأثناء داخل دير اللاتين وبعد أن مرت إحدى هاتين الطائرتين في المرة الأولى ثم عادت للمرة الثانية كان والدي يحمل بندقية ناتو فأطلق النار من بندقيته على الطائرة الإسرائيلية المغيرة لذلك قامت هذه الطائرة الإسرائيلية بفتح نيران رشاشاتها على منطقة الهاشمي الشمالي؟...
أخلاق وتواضح الملك الحسين بن طلال كما شاهدتها:
عام 1972م كان هناك سيارة بطلعة الحايك عند الإشارة الضوئية بجيل عمان... وكنا نحن قادمون من شاع وادي السير... وإذا بهذه السيارة عند طلعة الحايك قد احترقت وهبت النيران منها... وكنت في ذلك اليوم مرافقاً مع سيدنا جلالة الملك الحسين بن طلال (طيب الله ثراه)... وعندما شاهد جلالة الملك هذه السيارة وهي تحترق أمرنا بأن نتوقف وتناول بيده الكريمة طفاية الحريق وأصر جلالته بأن يقوم بنفسه بإطفاء الحريق... هنا نصحنا جلالته بالابتعاد عن السيارة المحترقة خوفاً على حياته...
فقال لي جلالته: "أسمع لا إنت ولا كل الجيش يحميني... أنا يحميني الله سبحانه وتعالى بعنايته".
... لم يمر علي خلق رفيع كما هو خلق جلالة الملك الحسين بكل الرجال... فكان خلفه هو خلق الهاشميين... وكان مدرسة بالأخلاق والتواضع... وأتذكر عندما كنا نخرج مع جلالته وظيفة بالصباح الباكر قبل أن نتحرك بمعية جلالته كان يقول لنا نحن المرافقين: "غلبتكوا يا شباب... أشكركم"... كان (رحمه الله) في غاية اللطف والإنسانية.
عمان أيام زمان:
(أيام زمان) أتذكر عمان عندما كانت مياه السيل تمشي بسرعة... وكان الناس يضعون حجارة كبيرة الحجم بالسيل من أجل أن يضعوا أرجلهم على هذه الحجارة لاجتياز السيل من جهة إلى جهة وكان هناك أشجار تحيط بالسيل حتى تصل إلى الزرقاء... أتذكر عام 1944م أو 1945م سرنا من المحطة من عند بيت جميل الصالح مشياً على الأقدام حتى وصلنا إلى الجامع الحسيني حيث أخذني والدي معه إلى عيادة الدكتور فرعون... وأثناء الطريق مرت فقط سيارة واحدة وكان الشارع مرصوفاً رصفة إنجليزية... وكنا نعرف من تجار عمان الديراني وأبو صلاح الشربجي... وكنا نتعامل مع هؤلاء التجار (طلاع) بحيث نأخذ منهم حاجياتنا ونقوم بسدادهم فيما بعد على الحصاد (على البيدر)... وأتذكر البياع المتجول (أبو رصاع)... وكان هذا البياع المتجول يحضر معه عنباً وحوايج النساء وملابس وراحة وحلاوة.... ونأخذ منه هذه الحاجيات ونقايضه بالبيض والوبر والصوف والحبوب...
(السعن) ومنتجات الألبان:
(زمان) كنا نقوم بإنتاج منتجات الألبان ونعمل الجميد والسمن والجبنة والزبدة البيضاء واللبن المخيض... كنا نقوم بخض السعن (القرقعة) لعمل اللبن ونحصل من ذلك أيضاً على الزبدة.
بابور الطحين:
وكنا نطحن الحبوب في بابور سحاب عند (أبو حسونة)... وفي ماركا كان هناك بابور لشخص معاني... وكان البابور يأخذ أجرة جزءاً من القمح المطحون...
الجلة:
وكان البدو في سحاب يبيعون الجلة أي حمولة جلة وهو (روث الإبل والبقر) أثناء سيرهم على الطريق... وكانوا ينادون ويقولون بأعلى صوتهم: "يا شاري الجلة" ويأخذون بدلاً منها الدبس والعدس والحنطة.
ثلجي أبو جسار:
كان مختاراً لمنطقة ماركا وهو رجل فاضل... وقد سمي بهذا الاسم (ثلجي) لأنه قد ولد بسنة الثلجة... وكان صديقاً لكلوب باشا... كما كان الشيخ عبد الكريم ارتيمه صديقاً حميماً لكلوب باشا.
بماذا تمتاز عمان:
أعتقد بأن العادات والتقاليد بعمان تختلف عن كل الدول العربية فعمان مميزة فيما يتعلق بالكرم واستقبال الضيف واللقاء الودي الحميم الذي يجعلك تشعر بأنك بين أهلك وذويك ويدل ذلك على مدى التكافل الاجتماعي... وإن البركة موجودة بعمان بسبب طيبة أهلها...
مقارنة بين عمان أيام زمان وعمان اليوم:
(أيام زمان) كان الناس بعمان بسطاء جداً ويحبون بعضهم البعض... وكان هناك كبير للعائلة والذي يتمتع بالرأي السديد ولا يوجد أحد بالعائلة يخالف رأيه... بينما (اليوم) نجد بأنه لا يوجد اتفاق بين أفراد الأسرة والعلاقات بينهم يسودها التناحر ولا يوجد راحة ولا طمأنينة على عكس (أيام زمان)...
(زمان) كان هناك أخوة صادقة ورفقة... بينما الآن نجد رفيق المصلحة فإذا له مصلحة عندك فإنه يتقرب منك وإذا أنتهت المصلحة أنتهت هذه الصداقة...
(زمان) كان يوجد صدق وأمانة حتى أن الشخص لو ارتكب جريمة فإنه لا يحلف يميناً كاذباً لأن اليمين كان مقدساً...
(اليوم) نجد (وبكل أسف) النصب والاحتيال... ولا يوجد صدق (إلا ما ندر)... وقد يحلف الشخص أيماناً وهو كاذب (أحياناً)... والصغير لا يحترم الكبير...
(زمان) كانت النصيحة يتم شراؤها بـ (مصاري) بالمال بينما (الآن) إذا أردت أن يعاديك صاحبك (قدم له النصح)... فهو لا يريد الاستماع للنصيحة لأنه لا يريد الصدق فهو يريد (في كثير من الأحيان) الرياء والنفاق...
(زمان) كان الأبناء يتسابقون بالوفاء للوالدين وتقديسهم وخدمتهم خدمة كاملة... بينما (اليوم) وللأسف لا يوجد بر للوالدين إلا ما ندر ويتم إرسالهما للملاجىء أحياناً... للأسف.
(زمان) هناك البركة وكانت بركة عظيمة رغم قساوة الحياة... والسبب في البركة (آنذاك) يعود لايمانهم القوي ولأنهم كانوا يتوكلون على الله عز وجل... (اليوم) نجد كل شيء عندنا لكن لا يوجد بركة لابتعاد الناس عن الدين.
مقارنة بين التربية (اليوم) و (أيام زمان):
(أيام زمان) كانت التربية مشتركة بين الأسرة (البيت) والمدرسة... فكان رب الأسرة هو والمدرسة يقومان بالتربية...
... بينما (الآن) لا يوجد تربية لا في البيت ولا في المدرسة لأن رب العائلة مشغول في العمل وكذلك الأم مشغولة في الوظيفة... لذلك يقوم بالتربية (الآن) الشارع والتلفزيون والأجهزة الحديثة ومنها (الإنترنت)...
(زمان) كان هناك رجولة وصدق... بينما (اليوم) نجد الميوعة والإنحلال...
هل كان الناس سعداء بعمان (أيام زمان)؟
أعتقد بأن الناس بعمان (أيام زمان) كانوا سعداء كل السعادة إضافة إلى الطيبة والقناعة رغم عدم وجود الرفاهية التي نجدها الآن... حيث كان الذي بين أيدي الناس مقدساً ومقنعاً وحلالاً.
(اليوم) بالنسبة لي شخصياً أرى أنه لا يوجد شيء يسعد الإنسان؟!... ولا يوجد رحمة... السبب في ذلك هو البعد عن الدين والعادات والتقاليد والقيم.
ما هي النصيحة التي تقدمها لعمدة عمان (عقل بلتاجي)؟
عمدة عمان معالي عقل بلتاجي أشهد بأنه إنسان لديه خبرة طويلة وأنه في كل المواقع التي عمل بها قد عمل بإخلاص وإنجازاته واضحة وظاهرة للعيان...
أنا أنصح عمدة عمان بأن يجعل عمان الشرقية شبيهة بعمان الغربية لأن غرب عمان قد اكتفت بكل الخدمات الضرورية، فالبنية التحتية قد تم تغطيتها بالكامل في هذه المناطق... بينما المناطق الشرقية من عمان بحاجة إلى رعاية أكبر من جميع النواحي الخدمية...
نحن في صالحية العابد نعاني من مشكلة عدم وجود مراكز تجارية ضن الشوارع المنظمة ونقترح بأن يتم تحديد المناطق التجارية حتى يجد الناس الخدمات الضرورية... كما أننا نطالب بإيجاد ملعب رياضي وبناء مقر للنادي الرياضي لا سيما وأن هناك تمييزاً في هذا الموضوع لأن بعض الأندية قد حصلت على أراض قاموا بالبناء عليها... فنحن نطالب بأن يتم تخصيص قطعة أرض للنادي الرياضي من أراضي الخزينة...
كما أننا نطالب أمانة عمان بأن تقوم بإغلاق مصنع الكيماويات الموجود في إسكان صالحة العابد لأن هذا المصنع يصدر عنه سموم وأمراض كثيرة تهدد سلامة المواطنين... ورغم كل هذه الأخطار والأضرار والسموم من هذا المصنع والتي تعلمها الأمانة جيداً فإن هذا المصنع لا يزال يعمل ليل نهار؟!...
نبوءات الملك المؤس التي تحققت جميعها:
والدي المرحوم الشيخ فلاح العابد الدعجة كان بالأربعينيات من القرن الماضي في مجلس الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين بن علي بالديوان الملكي بعمان وبعد أن أدى الملك صلاة العصر قال:
"إن الشخص الذي يشتري أرضاً في عمان يندم وكذلك فإن الشخص الذي لا يشتري أرضاً يندم"... والسبب في ذلك لأن الذي يشتري أرضاً بعمان يندم لأنه لم يشتر مساحة أرض أكبر لأن الأرض يرتفع ثمنها باستمرار... وكذلك فإن الذي لا يشتري أرضاً يندم لأنه قد خسر فرصة بأن يربح من خلال ارتفاع ثمن الأرض المستمر... وإن هذا الوضع هو ما حدث فعلاً في عمان.
كما قال الملك المؤسس: "من عمان للشام ستكون عامرة بالبناء... ومن هنا للعقبة ستكون عامرة بالبناء"... وفعلاً قد تحقق ذلك...
كما قال الملك المؤسس: "أنا سوف أقتل بجبهتي هذه... وأشار بإصبعه على جبهته... ويقتلني شخص ليس له حق عندي..." وفعلاً قد تحقق ذلك...
والدي المرحوم الشيخ فلاح العابد الدعجة كان شاهد عيان على نبوءات الملك المؤسس التي قالها بحضور والدي والتي تحققت جميعها فيما بعد.