المحامي صالح زعل الكنيعان الفايز يتحدث عن عمان أيام زمان
سميت (وادي الرمم) بهذا الأسم بعد أن هلك المئات من آبل بني صخر واندفعت مع سيل عمان وهلك منها المئات عند وادي الرمم فصارت تعرف هذه المنطقة بوادي الرمم، و(الرمم) عند البدو هي الجثة ذات الرائحة الكريهة.
سميت منطقة (المصدار) بهذا الأسم نسبة لصدور الإبل منه بعد ورودها الماء.
جبل عمان كانا يسمونه جبل العرظي.
سميت منطقة (أم الحيران) عند الإذاعة الأردنية بهذا الأسم لأنه عندما كانت قطعان الإبل ترد على رأس العين غالباً ما كانت تختلط مع بعضها البعض وتضل بعض الحيران عن أمهاتها.
منطقة (الظهير) عند وزارة الخارجية في عمان اسمها (ظهير حمار).
المحامي صالح زعل الكنيعان الفايز من المحامين الأردنيين المعروفين، وهو من النشطاء السياسيين، ويهتم باستمرار بمتابعة كل ما يتعلق بأبناء العشائر الأردنية، فهو ينتمي إلى قبيلة بني صخر وهو من عشيرة الكنيعان الفايز، ومضاربهم تقع في بلدة – منجا – التي تبعد عن عمان حوالي 25 كيلومتراً، وتقع قبل مدينة مأدبا بـ 6 كيلومترات، والمحامي صالح هو نجل المرحوم الشيخ زعل الكنيعان الفايز – شيخ عشيرة الكنيعان، والذي كان يعتبر من حكماء قبيلة بني صخر ومن شيوخ العشائر المعروفين في الأردن.
المحامي صالح يعتبر من أبرز المثقفين في قبيلة بني صخر، وهو يهتم بمتابعة وقراءة الكتب التاريخية، فهو مرجع هام عن قبيلة بني صخر وعن العشائر الأردنية وتاريخ الأردن الحديث والقضية الفلسطينية.
التقينا بالبدوي الأصيل (المثقف) المحامي صالح زعل الكنيعان الفايز (أبو زعل) في ديوان عشيرة الكنيعان الفايز في بلدة – منجا – فتحدث لنا عن عمان (أيام زمان) وعن الأماكن المحيطة بها حيث حصلنا منه على معلومات هامة وشيقة، وأنا من الناس الذين يستمعون لهذه المعلومات لأول مرة، ونحن نعتبر هذا الحديث الهام لأبي زعل وثيقة تاريخية هامة عن عاصمة المجد عمان.
يقول المحامي صالح الكنيعان الفايز سوف أتحدث عن عمان قبل أن تصبح قرية ومنهل ماء لرعاة الإبل وذلك قبل وصول الشركس لها عام 1878م.
ولكي نفهم واقع هذه البلاد في القرن التاسع عشر لا بد من إلقاء نظرة تاريخية عليها.
كانت عمان واقعة في منطقة البلقاء وواقعة في وسطها وكانت تتنازع هذه المنطقة قوتان تُضعف نفوذ الحكومة المركزية أي الحكومة التركية:
قوة حلف البلقاء بزعامة أبن عدوان وكان نفوذهم يمتد من زرقاء ماعين جنوباً حتى سيل الزرقاء شمالاً وكان الحلف يضم جميع عشائر البلقاء الحالية وبني حسن.
قوة بني صخر وحلفائها وتضم بني صخر وبني حميدة وعباد في وسط البلقاء وبني صخر كانت قوة حربية متحركة بفرسانهم وطويلي النجعة يث تمتد نجعتهم شرقاً في الشتاء حتى تبوك في ثلاث مراحل وفي الصيف يرجعون إلى أطراف البلقاء الشرقية على طريق محمل الحج الشامي حيث كانوا يتقاضون – الصرة – "وهي صرة من الدنانير تعطي لمجموعة من شيوخ بني صخر" مقابل مرور الحجاج والمحافظة عليهم وينزلون على مناهل المياه.
وكانوا أهل أبل ولا يربون الأغنام لأنها تعيق حركتهم ولا تتماشى مع طول نجعتهم وتعيقهم بالحركة أثناء المعارك والحروب وخاصة على مناهل المياه في عمان والزرقاء، لذلك حرموا على عشائرهم تربية الأغنام.
ويذكر المستشرق (جون لويس بيركهارت) الذي زار المنطقة عام 1812م حيث يقول (بقيت في السلط عشرة أيام أفتش على دليل يوصلني إلى عمان، وأتفقت مع أربعة رجال لمرافقتي لكن زوجاتهم جئن إلىي وبكين أمامي لأن الأزواج يعرضون حياتهم للخطر مقابل قروش قليلة، لخطورة الطرق لأن هناك مناوشات يومية بين عرب بني صخر والرولة من عنزة وخاصة عند نهر الزرقاء وعمان على مناهل المياه، فخرجت إلى الفحيص وهنالك وجدت شخصاً له علاقة جيدة مع البدو فرافقني إلى عمان فوجدت في عمان سيل غزير فيه أجود أنواع السمك وقام بوصف المدرج والقلعة ولكن مرافقيه خافوا وهربوا ولحقهم (بالحمر) ويقول إنه منذ خروجه من السلط حتى وصل عمان وهو يسير تحت الشجر أانتهى قول بيركهارت).
وكانت مناهل المياه لبني صخر هي عين (رجوب) في الشمال ثم مشروع شبيب بالزرقاء، ورأس العين في عمان والثمد شرقي مأدبا و(اللجون) شرقي الكرك.
وكانت عمان والزرقاء في منتصف هذه المناهل وكانت أكثر الحروب بين بني صخر وقبيلة عنزة وشمر وبقية القبائل تدور حول هذه المناهل وكانوا دائماً يصدونهم عنها حتى قالوا إن بني صخر هي سور البلقاء كما نعتتهم بذلك مجلة الأمة لسان حال الأحزاب الحجازية التي تصدر بالقاهرة عندما ردوا آخر غزوتين للوهابيين 1922م و 1924م.
وكان بنو صخر لا يهتمون بالزراعة فيأكلون المزارع بقطعانهم مما يسبب الحروب المستمرة بينهم وبين حلف البلقاء بزعامة أبن عدوان وقد كان يضم هذا الحلف جميع عشائر البلقاوية مع بني حسن ومدينة السلط، وقد كانوا يمنعون بني صخر من التقدم غربي عمان والزرقاء وتدور بينهم حروب طاحنة حتى جاء (شمدين) باشا أحد القادة الأتراك وعقد صلحاً بين بني صخر والعدوان وكان على أثره زواج سطام الفايز من علياء ذياب العدوان فقام (شمدين) باشا ووضع حدا بين بني صخر والعدوان وهم زعماء البلقاء وكان المستشرقون يسمون البلقاء أرض العدوان، هذا الحد يبدأ في الجنوب من رجم الجازل غرب مأدبا ويتجه شمالاً إلى رجم السامك ومنه إلى (ظهير حمار) وهي منطقة الظهير الموجودة عليه وزارة الخارجية الآن.
ومن ظهير حمار خط شمالاً يضع خلدا وتلاع العلي وياجوز يسارا الخط أي ضمن نفوذ البلقاء حتى يصل سيل الزرقاء بالقرب من السخنة بحيث يترك نهر عمان ومنهل الزرقاء إلى حلال بني صخر.
ومن هنا أصبحت عمان والزقاء من المناهل الرئيسية لإبل بني صخر فكانت الإبل ترد على رأس العين عن طريق وادي ناعور وتصدر قافلة عن طريق المصدار لذلك سمي بالمصدار نسبة لصدور الإبل منه بعد ورودها الماء وكان قسم من فرسان بني صخر يرافقون الإبل عند ورودها ويعملون كميناً بالمصدار عند شارع بارطو بجانب الطريق القديم ويسمونه طور الجيوش وذلك للمحافظة على الإبل من الغزاة.
وأثناء ورود قطعان الإبل على رأس العين غالباً تختلط مع بعضها وتضل بعض الحيران عن أمهاتها وتختلط بقطيع آخر لذلك يتوقف الرعاة عند منطقة الإذاعة لكي يتعرف كل حوار على أمه فسموا هذه المنطقة بثغرة الحيران والتي يسمونها الآن بأم الحيران.
أما جبل عمان فكانوا يسمونه جبل العرظي وسبب التسمية أن سطام الفايز أتفق مع الحكومة التركية على تعداد إبل بني صخر لأخذ ضريبتها التي كانت غالباً ما تتمرد على دفع الضريبة فأقنع سطام شيوخ بني صخر أن يكون العداد على رأس العين في عمان عند ورود الإبل عليها فرحل سطام ونزل بيته على رأس العين وهو المكان الذي نجتمع به الآن فجاء الأتراك بطابور فرسان يسمونه عرظي ونزل في جبل عمان، وأخذ فرسان الأتراك يعدون كل قطيع يرد على الماء ويأخذون منه عدة نياق ضريبة فضج الناس من ذلك وأخذوا يتجمهرون حتى وردت إبل ارميح أبو جنيب الفايز فأخذوا منها عدد من النياق فغضب ارميح وكان من فرسان بني صخر المعدودين فسل سيفه وقتل أحد الفرسان الأتراك فهجم بنو صخر على العسكر وقتلوا منهم الكثير وهرب الباقون.
فاختلطت قطعان إبل بني صخر وتعد بالألوف مع بعضها البعض واندفعت هاربة مع سيل عمان ولحقها فرسان بني صخر عند جسر النشا وحاولوا ايقافها ولكنها تدافعت مع وادي الرمم وهلك منها المئات تحت أرجل بعضها فأصبحت أكواماً من الجثث الميتة وأصبح من ذلك الوقت يسمونه وادي الرمم والرمم عند البدو هي الجثة ذات الرائحة الكريهة.
وسميت منطقة عوجان بهذا الأسم نسبة إلى أحد رعاة إبل بني صخر من عشيرة (العثمان الزين) لأنه وجد هذا المورد من الماء وهي منطقة سهلية بين الزرقاء والرصيفة لورود الإبل على السيل فسموه (مشروع عوجان) وقد ألغي المشروع وبقي الاسم (عوجان)!
وفي أواخر القرن التاسع عشر شكلت الحكومة العثمانية ناحية الجيزة لتشجيع بني صخر على الاستقرار وذلك 1879م وتقلد سطام الفايز مدير الناحية حيث طلب قبل ذلك والي دمشق لأن هناك مسلمين هاربين بدينهم من الروس وتنوي الحكومة توطينهم في عمان وبقية النواحي وطلب منه أن يحافظ على العلاقات الحسنة بينهم وبين بني صخر وجاء الشركس بعد ذلك ونزلوا عمان وأصبح ود بينهم وبين بني صخر فأولم بني صخر وليمة كبيرة للشركس فرد الشركس وأولموا وليمة كبيرة لبني صخر وقد ذبحوا إلى جانب الغنم حصاناً ولما أخبر بني صخر الشركس أنهم لا يأكلون لحم الخيل لكنهم أصروا على ذبحه إكراماً لشيوخ بني صخر فأكل الصخور من الغنم وأكل الشركس لحم الحصان، وبقي الشركس على وئام مع بني صخر لتشابه عاداتهم وخاصة الفروسية وركوب الخيل.
وفي عام 1897م أنشئت ناحية مأدبا والثمد وكان مدير الناحية محمد حكيم وثلاثة أعضاء من مأدبا.
وفي 1898م أنشئت ناحية عمان وكان أول مدير لها حمود أفندي بن سعيد أفندي بن عبد الله الشركسي.
وقد أتخذ العثمانيون من مركز ناحية عمان 1904م مقراً لهيئة سوقياتهم العسكرية في جنوب ولاية سوريا وكان رئيس الهيئة (القومسيون) البكباشي سليم أفندي بن زكريا أما مأمور العمليات فكان إمام الطابور الثاني المتمركز في عمان واسمه محمد توفيق أفندي أبن الشيخ سليم أفندي الدرة وكاتب الناحية عمر أفندي بن إبراهيم الشركسي (وثائق محكمة السلط الشرعية) وأصبحت عمان من أهم مراكز الخط الحديدي الحجازي عندما اعتمدتها الحكومة العثمانية قاعدة في الحرب العالمية الأولى لسوق جيوشهم إلى القدس وغزة، حيث كان خط القتال الأول على جبهة العريش حيث تتركز القوات البريطانية على طول قناة السويس حتى العريش بقيادة الجنرال اللنبي.
فلذلك قام الأتراك بتحسين الطرق في عمان وأقاموا بها مراكز البرق واللاسلكي والتلفون، وأقاموا فيها المباني العسكرية والمستودعات، وشهدت هذه الفترة إنشاء أول مجلس بلدي في عمان عام 1909م ومنها انسحب الجيش التركي بعد دخول الإنجليز فلسطين.