يستوقفني ذات الموضوع كلما قرأت ملاحقات الفاسدين أو المتهربين ضريبياً، وأعود لما كتبت سابقا لنستذكر سبب الشقاء والبلاء، فهل توافقونني على أن شقائنا وتراجعنا اجتماعيا واقتصاديا كأفراد ومجتمعات ودول عالم ثالث له أسباب منها المخفي ومنها الواضح!، وهل هنالك ثمة من يسرق فرحتنا ورغيف خبزنا، نعم… هنالك مجرم او مجرمون يمارسون افعال إجرام هي سبب شقاء المجتمعات وتأخرها، واذا استعرضنا علم الجريمة نجد تصنيفات مختلفة للجريمة، لكن ما نعرفه ويشيع بيننا النوع الأول من الجرائم الذي يمارسه اشخاص معدمون فقراء متواجدون عادة في طبقات اجتماعية جاهلة وفقيرة، وهؤلاء يسمون في علم الجريمة (ذوي الياقات الزرقاء)،وجرائمهم هي تجسيد لوظيفة الجاني المحتمل وما هو متاح له، لذلك فإن العاملين في بيئات العمل التي لا تتطلب مهارة والقاطنين في المناطق الداخلية من المدينة والاحياء المهمشة ليست لديهم وظائف كثيرة يمكنهم من خلالها الاستثمار والتربح، وتميل جرائم ذوي الياقات الزرقاء إلى أن تكون واضحة جلية يصاحبها العنف والقوة الجسدية احيانا، وتجذب انتباه الشرطة وتمكنهم من القبض عليهم غالبا، مثل جرائم التخريب وسرقة البيوت والمتاجر… الخ، وفي الغالب سرقاتهم بسيطة وليست ذات قيمة عالية، أما جرائم (ذوي الياقات البيضاء) وهو مصطلح يطلق على الجرائم غيرالعنيفة والمرتكبة لدوافع مالية وسلطوية مصلحية، من قبل رجال الأعمال وأصحاب النفوذ والسياسين، وفي علم الجريمة عرّف المتخصص بعلم الاجتماع إدوين سذرلاند المصطلح لأول مرة في عام 1939 بأنه"جريمة يرتكبها فرد من ذوي الطبقات الاجتماعية العليا وله مكانة مرموقة في نطاق مهنته". وتشمل جرائم ذوي الياقات البيضاء: الاحتيال والرشوة والتجارة من الداخل والاختلاس والجرائم الإلكترونية وانتهاك حقوق الطبع وغسيل الأموال وانتحال الشخصية والتزييف الخ… .(ويكيبيديا) ، مما يمكن ذوي الياقات البيضاء بالمقابل من الجمع بين السلوك القانوني والإجرامي والسرقة وإنتهاك القوانين بغطاء القانون نفسه والسلطة) وبالتالي جعل أنفسهم أقل عرضة لجذب الانتباه عند ارتكاب الجريمة، وجرائمهم في عالم الاعمال والشركات يكون إثبات هوية الضحية أقل وضوحًا وتكون مشكلة التبليغ معقدة بفعل ثقافة السرية التجارية لحماية حقوق حملة الأسهم، ويقدر أن عدداً كبيراً من جرائم ذوي الياقات البيضاء غير مكتشفة وإن كشفت لا يتم التبليغ عنها، وهي كما اسلفت لها أثر مالي وإداري مدمر يمتد لأثر اجتماعي واقتصادي مدمر ايضاً، وغالبا ما تكون مخفية وأثرها طويل المدى يعمل على زعزعة اركان أي نظام وإفساده واحيانا تؤدي إلى انهياره اذا وصل نفوذهم حد التنظيم المستمر، او كما يقال مؤسسة الفساد، ولا تقتصر جرائم اصحاب الياقات البيضاء على الدول الفقيرة، حيث العدالة وإنفاذ القانون والمؤسسية والنزاهة والشفافية هي عبارات تنظيرية للإستهلاك المحلي، لا تنفذ بل تستخدم لإسكات الشعوب والمنتقدين وإضفاء نزاهة وهمية على المتنفذين، وقد نجد جرائمهم في الدول المتقدمة التي تحتكم للقانون واسباب الشفافية والنزاهه، لكن أثرهم اكبر في دول العالم الثالث ودول الحكم الدكتاتوري وقد يكون مثل السرطان القاتل الصامت، إذا هي جرائم اصحاب الياقات البيضاء سر عجزنا وتاخرنا في كل نواحي الحياة، فهل عرفتموهم؟ وهل عرفوا أنفسهم؟… .حمى الله الأردن.