بقلب مؤمن بقضاء الله وقدره وببالغ الحزن والأسى، فقدت قبل أيام أخاً وصديقاً عزيزاً علي، أبو أنزور منير حسني شوماف صوبر، الوفي لوطنه ولأهله ولبلده ولوادي السير، وادي السير التي ولدنا كلانا فيها، وادي السير الطيب والعطاء،
نعم لم يجمعنا شبابنا معاً لفارق العمر، ومدرسة وادي السير وقتها كانت إعدادية فانتقلت أنا إلى عمان وأنهيت دراستي الثانوية هناك، بعدها بدء المرحوم المرحلة الثانوية فلم نتزامل لفارق السن، لكن ربطتني الزمالة الدراسية مع شقيقه الأكبر بالسن سمير عليه رحمة الله وغفرانه، ولأن عاداتنا وتقاليدنا يوجّب فيها الصغير الكبير، وكان يُنظرُ لصديق الأخ الكبير بمثابة الأخ الأكبر،
من هنا كانت علاقتي مع أبوأنزور، بالإضافة إلى أنني بعد أن أنهيت دراستي الثانوية كان لي شرف الالتحاق بالقوات المسلحة وذهب المرحوم لإكمال دراسته الجامعية في تركيا، ولأن خدمتي العسكرية جميعها كانت في الميدان وليست في القاعدة لم يكتب لنا أن نجتمع معاً للعمل، إلى أن جمعنا العمل التطوعي سويةً في المجلس العشائري الشركسي الأردني لخدمة الوطن وأبنائه وخاصة المجتمع الشركسي ومجتمع وادي السير، حيث تزاملنا معاً في المجلس العشائري منذ عام 2003، واتفقنا بأنه يمكننا أن نكوِّن فريقَ عملٍ واحد ونعملَ معاً، وذلك باستثمار ودمج سنوات خدمتنا الطويلة معاً تحقيقاً للمنفعة العامة لمجتمعنا العزيز، حيث لكل منا مجاله ومعارفه وعلاقاته،
فهو كان قد عمل مهندساً في الأشغال العامة ووزيراً للتموين، إضافةً لخبرته في مجلس النواب لعدة دورات، تبعه عمله في مجلس الأعيان،
وأنا ضمن المجالات التي عملت بها في الجيش العربي الأردني والأمن العام،
فشكلنا أنا وهو بحمدالله فريقاً متضامناً متكافلاً، ما ينقص أي منا يكمله الثاني بكل أمانة وصدق ووفاء، مُسَخِرينَ ذلك في خدمة الوطن وأبنائه من شتى المنابت والأصول دون تحيز أو تمييز.
أبا أنزور، أعرفك أكثر من غيري - رحمك الله وأسكنك فسيح جناته - كنت الرجل الذي يتحلى بالعادات والتقاليد الشركسية التي تربيت عليها، كنت الرجل الصبور المهذب في السماع لمطالب الناس، مكتبك تستقبل فيه الجميع من شتى المنابت والأصول، يدك الخيرة تمتد لمن يستحق، وكنت السباق لذلك،
دافئ اللسان، عشقتَ الأردن، لم أجد شيئاً يثيرك في الكلام إلا تجاه من يجور على الأردن في كلامه، كنتَ جاهزاً لنذهب سوياً ودون تردد إلى أي اتجاه لنساعد كل من يطلب المساعدة داخل الأردن وخارجه، لقد تركت بصمات واضحة يشهد لك فيها القاصي والداني.
لقد اعتبرك كل من عزّاني أننا كنا شقيقان لم تلدنا أم واحدة، مؤكدين أنك رمزاً من رموز الوطن، تتحلى بالسمعة الحسنة، أنك للوطن والمواطن،
وبفقدانك يا أبا أنزور أعتبر بأن الأردن قد فقد محباً مخلصاً له، نذر حياته لخدمة الوطن والمواطنين من شتى المنابت والأصول ولأهلك وجيرانك من أبناء وادي السير بالذات، دون تحيز أو تمييز.
رحمك الله رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته، لله ما أعطى ولله ما أخذ، إنا لله وإنا إليه راجعون.