على هامش انتخابات مجلس النواب التاسع عشر، وتدني نسبة الاقتراع بشكل عام في المملكة، وتعبير غالبية كبيرة من الذين قاطعوا المشهد الانتخابي برمته، إضافة إلى قناعة من ترشح وشارك واقترع بتردي العمل البرلماني برمته منذ سنوات خلت، وفي ضوء المخرجات المتكررة لقانون الانتخاب بشكل عام على مستوى الوطن، والمطالبات الحثيثة بضرورة تعديل قانون الانتخاب، فإن العمل على تعديل قانون الانتخاب يُعد حاجة ضرورية على مجلس الأمة - مجلس التشريع والرقابة- العمل بها، كأولوية قصوى لها مبرراتها والتي من أهمها كما أرى والكثيرون من أبناء وطني ما يتمثل بالنقاط الآتية:
- القانون الذي لا يدفع المواطن للمشاركة بفعالية في المشهد السياسي والتفاعل معه يجب أن يُعدّل.
- القانون الذي رُسم على أساس ضرورة توزيع مكاسب التنمية ولم يحقق شيئاً للتنمية المنشودة يجب أن يُعدّل.
- القانون الذي يحرم المرشح الذي يحصل على أعلى الاصوات من النجاح مقابل السماح بنجاح آخر بأصوات أقل بحسب نظام القوائم يجب أن يُعدّل.
- القانون الذي يحرم مواطنين أردنيين كالأكاديميين مثلاً من الترشح شريطة تقديم استقالاتهم من وظائفهم وقبولها يجب أن يُعدّل.
- القانون الذي لا يشترط الدرجة الجامعية الأولى للمترشح للانتخابات البرلمانية على أقل تقدير يجب أن يُعدل.
- القانون الذي لم يساوي بين نسبة الكوتا النسائية بين العاصمة والمحافظات الكبيرة من جهة والمحافظات الأخرى من جهة أخرى يجب أن يُعدّل.
- القانون الذي يحرم مناطق بأكملها من التمثيل يجب أن يُعدّل.
- القانون الذي يُفرز من يفتقر لأبسط أبجديات العمل البرلماني وأخلاقياته ويجب أن يُعدّل.
- القانون الذي جمع مناطق مختلفة ومترامية وتعداد سُكاني مهول دون أن يُراعي طبيعة النسيج المجتمعي واختلاف مكوناته يجب أن يُعدّل.
- القانون الذي يفرز غالباً ذوات بأعينها ولا يُحدد عدد الدورات القصوى المسموح للنائب فيها أن يكون نائباً يجب أن يُعدل
- القانون الذي تطال نتائج العمل به في كل مرّة ذات المآخذ وتلوح في أُفقه ذات الشوائب يجب أن يُعدّل.
- القانون الذي يدفع المال الأسود لأن يكون حاضراً في المشهد الانتخابي وبقوة يجب أن يُعدّل.
- القانون الذي يدعم التشكيل الوهمي للقوائم ويسّوغ الاختيار الفردي في الاقتراع بعيداً عن البرامج الانتخابية يجب أن يُعدّل.
-القانون الذي لا يتيح فرص الترشح إلّا وفق نظام القوائم الشكلية ويمنع فرص الترشح الفردي يجب أن يُعدّل.
-القانون الذي لم يُكرس للحزبية معنى إلّا قولاً يجب أن يُعدّل.
هذه المُبررات وحدها كفيلة بضرورة تعديل القانون فكيف إذا تم التمعن بتفاصيل أخرى!
في ضوء ما سبق، لا بد من الإشارة إلى أن تعديل قانون الانتخاب لم يُدرج في برنامج عمل الحكومة القادم، وهذا قد اتضح في معرض رد دولة الرئيس الخصاونة على مناقشات السادة النواب على البيان الوزاري، بل أن صاحب الدولة ترك الأمر في طرحه من عدمه للسادة النواب، وذلك على حد تعبير دولته: "أن الحكومة على استعداد للنظر فيما يقدمه المجلس من مشاريع قوانين".
وهنا أتساءل: هل سيكون تعديل قانون الانتخاب على أجندة السادة النواب في مشاريعهم المنتظرة؟
هل سيسعى السادة النواب إلى العمل الجاد لأن يكون قانون الانتخاب الذي أفرزهم على طاولة التعديل؟ أم أن الأمر سيقف عند حد الإشارة له فقط؟
لا شك بأن بعض السادة النواب قد طالبوا بضرورة تعديل القانون، ويبدو في الأمر احساساً منهم بنبض الشارع الذي أفرزهم، لا سيما أن البعض منهم وصل قبة المجلس بشق الأنفس منهم ومن مؤازريهم، إلّا أن الحقيقة التي يصعُب انكارها هي أن القانون بمخرجاته لم يحظى بالقبول المجتمعي منذ العمل به بدورته الأولى، وقد استنكر جُلُّ المجتمع العمل به للمرة الثانية، وقد يكون للظروف التي نعيشها منذ سنتين خلت تحديداً وما نمر به من تحديات جسام على المستويات الصحية والاقتصادية والسياسية والتشريعية علاقة وثيقة تُبرر العمل بقانون الانتخاب للمرة الثانية.
وفي هذا السياق يطفو على سطح التفكير تساؤلات عدّة، من أهمها: لما لم يأتي تعديل القانون على لسان الحكومة صراحة؟ لماذا لا يكون التعديل ضرورة قصوى لضمان الحصول على مخرجات تليق ببيت التشريع وبالدولة والشعب؟ هل سيكون للوجوه النيابية الجديدة دور فاعل وكلمة حسم في ذلك؟ ماذا لو سُمحت التعديلات المأمولة بالترشح الفردي إلى جانب الترشح على أساس القوائم؟ وماذا أكثر لو تم تقسيم دوائر المملكة الانتخابية حسب الألوية؟ لا سيما أن العقل الانتخابي للمواطن الأردني لا يقتنع بغير الاختيار الفردي ولا يتجاوز حدود المكان الذي يعيش فيه غالبا، وماذا أكثر لو انتهى عُمر المجلس الحالي دون النظر في قانون الانتخاب؟ لا شك بأننا سنبقى ندور في ذات الدائرة.
من هنا، أعتقد جازماً بأن الضرورة للتعديل باتت مُلحة وعلى المجلس الحالي العمل بها ولها، لا سيما أن المواطن الأردني توّاق للتعديل، وتوّاق أكثر لبرلمان قوي يُمثله لا يُمثل عليه، علاوة على أمله بالنزاهة التي طال انتظارها والاصلاح المنشود في المسيرة السياسية، ولعل أول لبِنة في بناء الاصلاح السياسي- إذا كان الاصلاح مطلباً حقيقيا- يكن بإيجاد قانون انتخاب قوي وعصري وعادل لضمان بيت تشريع قوي وتشريعات أقوى ناظمة للحياة بكافة مجالاتها.