من غير الواضح ما اذا كان علينا ان نتفاءل بالادارة الاميركية الجديدة ام لا ، المؤكد في هذا الامر ان نتنياهو غير متفائل ابداً وانهم في اسرائيل يشعرون بمرارة الخسارة بخروج عائلة ترامب من المشهد كلياً ،لكن ليس قبل ان يحقق لإسرائيل بعض النجاح ،فالسفارة باقية في القدس ولن تتراجع ادارة بايدن عن قرار نقلها من تل ابيب ،والعلاقات العربية الاسرائيلية الجديدة قد تترنح لكنها لن تسقط وستنكفئ الى مرحلة الانجماد كما هي علاقات العرب السباقين الى التطبيع مع اسرائيل ،لكن الحاجة الى اسرائيل باقية وستتكفل بما يريده عرب الخليج كقوة دائمة وقريبة وفي متناول اليد ما دام العدو المشترك ايران ،وهذه مصلحة اميركية حتى لو تغيرت الادارة المتطرفة وحلت اخرى معتدلة بدلا عنها ،فمن مصلحة الولايات المتحدة خنق ايران والحد من قدرتها على ادارة حروبها الصغيرة في سوريا ولبنان والعراق واليمن، وبايدن معني باعادة اميركا لتولي قيادة العالم او ريادته كما قال هو حرفيا في حفل تنصيبه رئيساً ،لكنه يريد هذه الريادة بطريقة مختلفة عن الطريق الذي سلكه ترامب وحصد سخرية العالم ومنهم اقرب الحلفاء ،حتى ان رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو لم يخف ارتياحه للخلاص من ترامب وفتح يديه وقلبه لبايدن كي يعيد الحياة الى علاقة بلاده بالولايات المتحدة ، اما اوروبا فتنفست الصعداء واعربت عن ادانتها لعهد ترامب من خلال توصيف الاحداث وما جرى في مبنى الكبيتول ،فجل الزعماء الاوروبيين حملوا ترامب المسؤولية عن افعال همجية ادرجت صراحة في خانة الارهاب ،وهذه سابقة في المواقف الاوروبية خاصة وان الامر لا يتعلق بمجموعات تمارس الارهاب او تنظيمات مسلحة وانما بجمهور عريض يتصرف بعنف في دولة ديمقراطية ، التصنيف لم يكن بمستوى الفعل ومع ذلك اتفق العالم على ان ما جرى ارهاب وهمجية وعنف غير مبرر واعتداء على الديمقراطية والمثل العليا للدول الديمقراطية ،وكل ذلك يتناسب مع حجم الغضب من اداء ترامب وتصرفاته والرغبة في ادانته ولا يتناسب مع احداث الكبيتول رغم فداحتها .
طوال اربع سنوات انعكست قرارات ترامب ومواقفه تجاه اسرائيل على المواقف الحقيقية لدول العالم من اسرائيل ومن ترامب على السواء ،ولعل نتنياهو ادرك ذلك ،فالخدمات التي قدمها ترامب لاسرائيل لم تتحول الى مواقف دولية لصالحها ،بل على العكس تماما ،فما من دولة ذات قيمة سياسية على مستوى العالم نقلت سفارتها الى القدس ،وما من دولة لها وزنها ايدت ضم الاراضي المحتلة او بناء المستوطنات او قطعت معوناتها عن الفلسطينيين او اوقفت دعمها للاونروا ،والاهم من ذلك كله انه ما من دولة تراجعت عن مواقفها المطالبة بحل الدولتين للصراع الفلسطيني الاسرائيلي ،حتى الادارة الاميركية الجديدة تتبنى هذا الحل وستعيده الى طاولة المفاوضات ،ولذلك يسارع نتنياهو بالابراق الى بايدن مذكراً اياه باهمية التحالف الاسرائيلي الاميركي ،وفي الولايات المتحدة نفسها سارعت اللوبيات اليهودية وكذلك الشخصيات المناصرة لاسرائيل الى التنصل من علاقاتها بترامب والاسراع الى هجاء فترة حكمه وسلوكه في مقابل الترحيب بادارة بايدن،وفي اسرائيل قلق من ضغوطات أميركية محتملة قادمة ،فلا ضم للاراضي الفلسطينية المحتلة ولا تأييد لبناء المستوطنات ولا ابتزاز لدول عربية أخرى كي تقيم علاقات تطبيعية مع اسرائيل ،وقد وفرت حكومة نتنياهو لنفسها مهرباً بحل الكنيست كما فعلت دائماً لكسب الوقت الى ان تدور عجلة الاعلام والعلاقات العامة المؤيدة لها في الولايات المتحدة مجددا وتؤمن الدعم اللازم كي يقف نتنياهو بوجه الادارة الجديدة وبيده بيناته لدحض اي تطور لا يتفق مع القرارات التي اتخذتها ادارة ترامب لصالح اسرائيل ،وسيذهب نتنياهو الى واشنطن قبل غيره من الزعماء وقبل اي زعيم عربي على الاغلب وسيقنع بايدن ان الفلسطيين منقسمين وليسوا شريكا واحدا في اية مفاوضات سلام محتملة ،وان (حماس) حليفة ايران التي تتمول منها ترتكب افعالا ارهابية ضد مواطنين اسرائيليين ابرياء ولا يمكن ان تكون شريكا في مفاوضات سلام ،ومن اجل اضفاء المصداقية على قصته سوف يوكل جهاز الامن الاسرائيلي الى خائن او مجموعة خون في القطاع لاطلاق عدة صواريخ باتجاه المستوطنات الاسرائيلية لتسقط على مقربة منها قبيل الزيارة بايام او ربما خلال وجود نتنياهو في واشنطن .
سيقنع نتنياهو بايدن كما اقنع باراك اوباما الذي تراجع عن كل وعوده للمنطقة في بدايات فترة حكمه الاولى والثانية ،في الاثناء سيكتفي زعماء العرب بانابة ادارة بايدن عنهم في المطالبة بالعدالة وباعادة الحق المسلوب الى اصحابه .