توقفت كثيرا عند مقالة سمو الأمير الحسن بن طلال " على عتبة المئوية الثانية للدولة " التي نشرت في الصحف اليومية، ليس لأن عمق ما يكتبه سموه يجعلنا أن نغوص في المعاني والمفاهيم التي يتحدث عنها دائما ، بل هذه المرة وفي غمرة إحتفالات المملكة بمئوية الدولة ، لم تلتفت الحكومة ولا جمهرة الكتّاب عن المئوية الثانية للدولة الأردنية ، وهذا ما منح هذه الرؤية الإستشرافية لمقالة سمو الأمير بعدا ومنهجا مختلفا ، أكثر من بهرجة الإحتفالات عمّا مضى .
لن أتحدث عن المقدمات والظروف السياسية لتأسيس الدولة ، والتي ساقها سمو الأمير الحسن عن النهضة العربية عنوان التأسيس للدولة الأردنية ، لكن سأتوقف عند شكل الدولة في المئوية الثانية وهويتها ، وهي ربما تصلح أن تكون رؤية الدولة الأردنية ٢٠٢١ -٢١٢١ خاضعة لنقاش عام تعيد صياغة مفهوم الدولة بعيون الأردنيين .
أقتبس من كلام سمو الأمير : "دولة المئوية الثانية تقوم على خطاب حداثي ومتنور، تكون فيه الحكومات مدنية، يسندها الدستور الذي قام على متانة دستور عام 1952م، وتحميها التشريعات القابلة لروح العصر تلبية لحقوق الفرد والمواطنة وتحقيقا للعدالة والمساواة التي تشكل الركيزة الأساسية.." ، إذن هي دولة المواطنة ، فيها الحكومات مستندة إلى قيم المواطنة وتحقيق العدالة والمساواه وسيادة القانون وهذا يجب أن يلمسه المواطن العادي ولا أن يبقى كلاما في الإعلام وفي المؤتمرات ، وفي تحقيق الأمان الإجتماعي والإقتصادي للمواطن وأن يشارك في صناعه حاضره ومستقبله في ظل إنفتاح ومصارحة وطنية ومصالحة سياسية .
من النقاط التي توقف عندها سمو الأمير في مقالته دولة المؤسسات وصورتها مستقبلا في المئوية الثانية، والتي عانت منها إدارة الدولة والتي حسب رأي الأمير يجب أن تقوم على التخطيط والبرمجة المدروسة والمتصلة، ولا ترتبط بالأشخاص ، أي ترسيخ دولة المؤسسات حقيقة وليس شعارات مما يمنح الإدارة العامة ثباتا وثقة .
ويرى سموه أن الإدارة العامة ودولة المؤسسات في المئوية الثانية ترتبط بتحديث التشريعات الناظمة لعمل هذه الوحدات الحكومية والتي يعتمد عليها الفرد بشكل يومي في إشباع حاجياته الأساسية، أي ترسيخ مفهوم دولة القانون والحاجة للتشريع الضروري القادر على إستيعاب التغيير الذي طرى على المجتمع الأردني ورغباته وحاجاته .
توقفت عند ثلاثة محاور من مقالة سمو الأمير ، وهي دولة المواطنة ودولة المؤسسات ودولة القانون .. وربما هذه المحاور أساسية في المئوية الثانية للدولة الأردنية ، فالأردنيون هنا متفقون جميعا على ركائز الدولة الرئيسة وهي العرش الهاشمي والجيش حارس الهوية والوجدان ، والوحدة الوطنية من شتى الأصول والمنابت عنوان الإستقرار .
حقيقة مقالة عميقة إستشرافية وقابلة للنقاش الوطني وربما يتفرع منها خططا إستراتيجية وخطط عمل في كيفية النهوض بمستقبل الأردن الذي نريد .
كل الشكر لسمو الأمير الحسن بن طلال الذي ما زال يبهرنا بعينه الثاقبة وتحليله العميق ومبضعه الدقيق الذي يشخص ويعالج ولا يجرح .