له يا بلد ماني من ولدك ولد..هذه كلمات الفنان الأردني متعب السقار، متعب الذي أتعبه المرض، ويعيش المعاناة، متعب الذي اتعبه قلة الإهتمام والجحود.. أكثر من المرض، متعب الذي هز وجدانانا الوطني بصوته الأجش المتعب، هو ذات متعب الذي أفرحنا بأهازيجه وصوته الحوراني الأصيل الآتي من بين مروج القمح وسنابله، ومن صباحات الرمثا..وحدود الأردن..وبشكير النشميات (دق ألماني)… صوتك امتاد صدى يأتي من إربد والكرك والبلقاء والأردن بكل مساحته وهضابه وجباله وصحاريه، متعب وصلنا أنك مُتعب… رسالتك وصلتنا متأخرة قبل أن نتذكرك، إعتب علينا عتب الأبن على أمه… ولا أظنك تغضب..
متعب في مرضه وندائه من غرفته… ووحدته...لن يواسيه كل من حوله إذا داهمته غربة الوطن.. ونكران الجميل، متعب مثال لكثيرين، أبدعوا وقدموا للوطن، وفي لحظة ضعفهم ومرضهم وفقرهم، نسيناهم، وتركناهم لقدرهم، كأني بمتعب وغيره… غربة الوطن هي غربة الذات، والإحساس بأنك غير موجود…
إعتب علينا يا متعب… وقبلك عتب كثيرون، منهم من فارقنا بحزنه وعتبه، منهم من تلحفه الفقر والعوز، منهم من ذهب صامتا، وأبشرك… نحن قوم لا نكرم المبدع بحياته، ننتظره حتى يموت… فنصنع له تأبيناً، ويأتي علية القوم ليذكروا مناقب الراحل العظيم، (وينفظ الطابق)… وتنتهي الحكاية…
وجعك هو وجع الأردنيين، نحب بلدنا، ولكن هنالك من يفسد علينا هذا الحب، مجموعة من الفاسدين العابثين المتنفعين، جعلونا بقرتهم الحلوب، يسرقون رغيف خبزنا وفرح أطفالنا، يجمعون الملايين يتكسبون من الوطن، وهم عالة عليه، ولكننا ما زلنا رغم ألف حيف وحيف، نقبض على جمر الوطن، نواجه الجوع وضنك الحياة، بكسرة خبز أو قطعة حطب، وسماء تتسع لكل همومنا… له يا وطن أوجعتنا يا متعب، مثلما أوجعنا قبلك عرار حين داهمه الضيق والملاحقة وراودته نفسه بالإغتراب وقال:
موطني الأردنّ لكنّي به
"كلّما داويت جرحا سال جرح "
وبنفسي رحلة عن أرضه
علّه يشفى من الإرهاق نزح
كلّ ما أرجوه لو أنّ منى
عاثر الجدّ إذا يرجو تصحّ
أن أرى لي بيت شعر حوله
من شلايا قومك السرحان سرح
في فلاة ليس للعلج بها
حيّة تسعى ، وثعبان يفحّ
نعم إنهم أفاعي… يعيشون بيننا وهم أدوات العلج، سرقوا الفرح ونسيوك وتذكروا أنفسهم… مع أن الوطن لا ينسى ابناءه ويحتضنهم في حياتهم ومماتهم.
له يا وطن… حاكيت فيها رائعة ابن مصر صلاح جاهين حين قال
أه يا بلد جابت ولد بمصاصة
ونفس البلد جابت ولد مات برصاصه
وبنت زي الوتد، وبنت رقاصة
اه يا بلد… الكلب فيك يعيش… ،والشهم
يموت برصاصه…
متعب… أيها الحوراني الأصيل… صوتك الأجش المتعب ما زال يحركنا ويطربنا مثلما كان… سيصل صوتك وستجدنا جنبك… فما زال بلدنا بخير رغم ألف آه و آه… ورغم رواتبهم الفلكية ورغم نهبهم وفسادهم… وملايينهم…ومال السحت… تربينا على حب الأردن لن نسافر ولن نغادر… ومن أغترب سيعود فقد كتب وصيته حتى إذا مات… أن يعود ليدفن تحت شجرة .. ليحتضنه تراب الوطن… عتبنا وغضبنا لن يتحول لحقد… سنبقى أبناء الأرض وملحها، صابرين على البلوى… .كما قال الجواهري:
لم يبق عنديَّ ما يبتزه الألمُ
حَسبي من الموحشاتِ الهمُّ والهرَمُ
لم يبقَ عندي كفاءَ الحادثات أسىً
ولا كفاءَ جراحاتٍ تضِّجُ دمُ
وحين تَطغَى على الحرّان جمرتهُ
فالصمتُ أفضلُ ما يُطوَى عليه فمُ
وصابرينَ على البلوى يراودهُم
في أن تضُمهم أوطانهم حلمُ
لن يبتزنا الألم… حسبنا وحسبك يا متعب… وجميع المتعبين في وطني… الصبر… فالأم لا تأكل أولادها… ولكن بعض ابنائها احترفوا العقوق… سلامتك أيها الحوراني الطيب… اوجعتنا… وخجلنا منك ومن الكثيرين الذين يعيشون غربة الوطن وهم فيه..! حمى الله الأردن.