في مثل هذا اليوم الأغر والأشم وقبل ثلاث وخمسون عاماً من المؤكد أن والدي:
لم تكن جدتي بانتظار باقة ورد منه في عيدها ...
ولم يكن بصحبة والدتي في نيروز الربيع يحتسيان قهوة الصباح في حديقة فيلته بأحد أحياء عمان الراقية...
وليس لديه جدول مواعيد مع تجار لعقد صفقات لشركته الخاصة ...
ولا عضواً بمجالس إدارة أو هيئات مستقلة أو منظمات مجتمع مدني ...
ولم يكن عضواً بمجلس النواب ليقر موازنةً أو قانوناً وبمجلس الشيوخ ليصادق على قانون أو يرده ...
ولا معالي طامحاً أو طامعاً او مرتجفاً ...
اتعرفون أين كان ومع من؟
أيــــه ... لقد كان هناك ... رفقة العسكر ... صحبة الأبطال في تلك الليلة تجافت جنوبهم عن المضاجع خوفاً على الوطن وطمعاً بأسمى مراتب النصر والشهادة، وعلى أحر من الجمر شوقاً لمجد الكرامة ...
أمّ الفجر بصحبه وصلى بهم صلاة مودع وتعاهدوا على ما أرادوا، فظهرت جحافل الظلم والغطرسةٍ والصلف والغرور، فحانت الساعة وزغردت البنادق وهدرت المدافع وسال الأحمر القاني ليعانق الطُهر التراب الطهور فتحقق لهم ما أرادوا قبل أن ينادي المؤذن لصلاة الظهر "الله أكبر" ...
فصنعوا فجراً عربياً في سجل المجد وكتاب التاريخ، فبقي والدي كمان كان إلى أن أدرك قبراً في الوطن ...