في الذكرى الثالثة والخمسين على رحيل إبراهيم منكو طيّب الله ثراه ، إستوقفت نفسي ليلة أمس و راجعت موقفاً مفصلياً فرض نفسه وأملى عليّ أن أشارك جزءاً من مسيرة إنسان عظيم ، عاش و غادر هذه الدنيا متمسكاً بمبادئه الوطنيّة ومعتقداته الفكريّة والدينيّة الراسخة وقيمه السامية التي كانت جزءاً لا يتجزأ من كيانه ، بل امتداداً له ونهج حياة .
لقد غادرنا إبراهيم منكو وهو في سن الثامنة والخمسين من عمره متأثراً بحزنه العميق وقلبه الجريح النازف يوم سقوط مدينة القدس في 5/6/1967 وحداده عليها ،إلى أن دفع ثمن ألمه فما لبث أن فارق الحياة 4/6/1968 في يوم سبق الذكرى الأولى لاحتلال القدس التي أثقلت قلبه وأدمعت عيناه .
كان إبراهيم رحمه الله يعمل بكل حزم وجلد وهدوء دون ضوضاء أو حب للظهور ولهذا ، فلا بد للأجيال أن يكون لها مثلٌ أعلى ملهماً تستأنس بسيرته ويكون لها قدوة حسنة تفخر بها وتتباهى بأعمالها المشرفة وتكون كوكباً مضيئاً للوطن .
سريّة إبراهيم منكو ومعارك القدس الشيخ جراح و الحيّ اليهودي
منذ الثلاثينات ، حمل إبراهيم منكو همّ وطنه العربي الكبير ، وقد أملت عليه عروبته ووطنيّته أن لايقف متفرجاً إلى ما سيؤول عليه الوضع في فلسطين بعد الفراغ الذي سيكون بعد إنسحاب القوات البريطانية في 15/5/1948 ، فقام بتشكيل سريّة إبراهيم منكو من 300 مناضلاً لا يبتغي من ذلك سوى الجهاد في سبيل فلسطين والدفاع عن القدس وعروبة فلسطين جنباً إلى جنب مع الجيش العربي ، معظمهم من مقاتلين محترفين من قوات الباديّة ، وقد أوكلت قيادتها للمدرب العسكري والجندي السابق رقم (1) في قيادة البادية القائد بركات طراد الخريشا ، ومع التدريب المستمر والسريع ، أصبحت السريّة نموذجاً للضبط والربط العسكري وفنون القتال وأطلق عليها " السريّة النموذجية " .
إن البذور التي زرعها والدي و الأباء المؤسسون ما زالت حيّة نابضة ، فقد شكّل إبراهيم منكو السريّة قبل 73 عاماً، وعندها وفي نيسان 1948 ، تتابعت الأحداث حيث قامت العصابات اليهودية بمذبحة ديرياسن وإحتلال صفد و يافا والقسطل وطبريا وحيفا ، ثم وقعت معركة القدس" الشيخ جراح والحيّ اليهوديّ " التي كان لسريّة إبراهيم منكو دوراً رئيسياً مشرّفاً في هزيمة قوات( الهاجاناه ) اليهودية في القدس والحفاظ على القدس عربية . وبعد 73 عاماً وفي نيسان 2021 ، إقتحمت الجماعات الإستيطانية المسجد الأقصى فيما يُسمى بيوم القدس العبري ، و قد شدّت قلوبنا وأعيننا في متابعة أحداث القدس والشيخ جراح والموقف البطولي والمستميت لأبناء فلسطين في الدفاع عن القدس إلى أن سحبت قوات الإحتلال جنودها من باب العامود .
قبل 73 عاماً ، أعطى القائد في الجيش العربي عبدالله التل الأمر لقائد سريّة إبراهيم منكو بركات طراد الخريشا بالهجوم على الحي اليهودي الذي قامت به فئتان من السريّة من الجهة الشماليّة بالتنسيق مع فئتين من الجيش العربي بالأسلحة والألغام وأوقعوا خسائر فادحه بالجانب اليهودي بعد أن قاموا بهجوم سريع ومستميت على الحيّ اليهوديّ وتمكنوا من النصر وإحتلال الكنيس اليهودي الكبير والسوق اليهودي وتطهير الحي من اليهود في القدس الشرقية.
واستسلم في هذه المعركة الخالدة اليهود وعددهم (2000) ومن بينهم (500) مقاتل محترف من قوات (الهاجاناه) إلى الجيش الأردني دون قيد أو شرط ، وقتل (370) يهودياً و جرح (180) آخرون ، حيث تم إرسال المقاتلين اليهود إلى معسكرات الإعتقال في الزرقاء وخوْ ، وسلّـم الجيش العربي النساء وكبار السن والأطفال إلى الصليب الأحمر .
واستشهد من سريّة منكو (10 ) شهداء و جرّح (15) مجاهداً تكفل بأٌسرهم إبراهيم منكو طيب الله ثراه .
وكانت السريّة قبل ذلك وحسب الأمر الحربي قد احتلت منطقة المطّلع القريبة من الجامعة العبريّة ، وأشتبكت جنباّ إلى جنب مع الجيش العربي مع اليهود هناك حيث دحروا هجمات اليهود على أسوار القدس وأوقعوا إصابات بالغة بهم .
وكان إبراهيم منكو قد تحمل تكاليف السريّة شخصياً و زودها بالأسلحة والذخيرة و دفع رواتب أفرادها وطبيب وثلاث ممرضين وسيارات إسعاف مع توفير عشرة نقالات للشهداء والمصابين وكذلك وسيارات وأجهزة لاسلكية وأغذية.