هانحن نعيش مرة أخرى في ظلال الذكرى السنوية لإستقلال وطننا ودولتنا التي تدخل بفضل تلاحم شعبها وقيادته مئويتها الثانية كأقدم وأعرق نظام سياسي حديث في المنطقة, وهما إنجازان "الإستقلال والإستمرارية" يفرضان على الأردنيين جهداً مضاعفاً للمحافظة على ما أنجزه آبائهم, وأول ذلك أن على كل أردني أن يتذكر أنه ابن شعب صنع إستقلال دولته بمثابرته وإصراره وتضحياته التي قد يجهلها أو يتجاهلها البعض, وهؤلاء هم الذين يجهلون أو يتجاهلون أن الأردنيين من أوائل إن لم يكونوا أول من ثار في وجه تعسف الطورانيين الذين استلبوا سلطة السلطان في الاستانة, ففي تاريخنا الأردني الوطني ثورة الطفلية وهبت الكرك التي مهدت للثورة العربية الكبرى, وهي الثورة التي أعطاها الأردنيون زخمها الشعبي وبعدها القومي عندما انحازت القبائل والعشائر الأردنية للثورة وحملت لوائها وقاتلت في صفوفها, ثم جعلت من أرضها الأردنية ملتقاً لأحرار العرب خاصة من بلاد الشام, وغيرها من بلاد العرب الذين توافد أحرارهم إلى الأردن للإنضمام للثورة، ثم ليسبق الأردنيون جيوش الحلفاء إلى دمشق لتأكيد عروبتها, حتى إذا ما بانت نياب الغدر الاستعماري قاتل الأردنيون في ميسلون, ثم لم يستسلموا للهزيمة فرفعوا لواء الثورة على قلاع بلادهم, وخاطبوا قائد الثورة الحسين بن علي لمواصلة الثورة ، فلبى ندائهم وجاء نجله الأمير عبدالله لتبدأ مسيرة تأسيس دولة وطن دخلت مئويتها الثانية, وهي تفتخر بأنها قامت كقاعدة للتحرر العربي, لذلك لم يشعر الأردنيون بغضاضة عندما كانت حكوماتهم تضم عرباً من غير أبناء الأردن, فقد عزز قيام دولتهم إرتباطهم بقضايا أمتهم, لذلك قارعوا الصهيوينة وكانوا أشرس الناس في قتالها, ووقفوا إلى جانب سوريا الشمالية في حرب 1973, وكانوا مع العراق في محنته ، وقبل ذلك دافعوا عن سلطنة عُمان, وتواجد عسكر الأردن حيثما كان يجب أن يتواجدوا في أرض العرب دفاعاً عنها.
ورغم إنشغال الأردنيين ودولتهم بقضايا العرب وحروبهم, فإنهم لم ينسوا بناء وطنهم فكان الأردنيون يحرمون أنفسهم من متع الحياة ليتعلم أبنائهم ولحماية صحتهم, فبنوا المدارس والجامعات والعيادات والمستشفيات, وفتحوا الطرق والمطارات, وساروا على طريق الحداثة والتطور حتى صارت الدولة الأردنية مضرب المثل في التقدم رغم ضيق ذات اليد وكثرة التحديات.
الحديث في ظلال الإستقلال عن إنجازات الإستقلال طويل وطويل جداً, لكن الأهم منه الحديث عن كيفية حماية الإستقلال, فقد علمنا التاريخ أن إستقلال الأوطان لايكون بطرد الوجود المادي الملموس للمحتل والمستعمر فقط, بل بسد كل النوافذ والثقوب التي يمكن أن يستغلها المستعمر ليتسلل منها إلينا بنعومة كالثقافة بمفاهيمها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فكثيراً مايكون الاستعمار المقنع أشد فتكاً بالشعوب من الاستعمار المباشر حمى الله بلدنا منهما.