أكثر من 16 ألف حالة اعتقال في القدس وحدها منذ عام 2015، ومنهم ما يقارب ثلاثة آلاف خلال العام الماضي وحده، وفق نادي الأسير الفلسطيني، واستشهاد 13 طفلاً فلسطينياً منذ بداية العام الجاري 2022، ويماثل ضعف عدد الذين تعرضوا للقتل العام الماضي، برصاص جنود المستعمرة، آخرهم زيد محمد سعيد غنيم ابن 14 عاماً، إثر إصابته مباشرة بالرقبة والظهر، فمن من هؤلاء باستثناء عائلاتهم وشعبهم من يتذكرهم، ومن يتخذ إجراءات رادعة بحق مجرمي جيش المستعمرة، المزودين بقرار حرية إطلاق الرصاص بهدف القتل، وجعل الموت هو وسيلة التعامل اليومي الإسرائيلي مع الفلسطينيين.
ليست القدس وحدها، عنوان الصراع، بسبب مسيرة الرايات والاحتفال بيوم «تحريرها وتوحيدها» في الخامس من حزيران، وإن كانت في مركز الحدث، وباتت عنواناً تصادمياً، في محاولة من قبل المستعمرة لإعادة تأكيد سيطرتها على «عاصمة المستعمرة» وإبراز احتلالها، وفي القلب منها المدينة القديمة التاريخية، وبشكل خاص «الحرم القدسي الشريف -المسجد الأقصى»، بل الوطن الفلسطيني برمته هو الهدف، وسلب الفلسطينيين وطنهم، وتدمير حياتهم، سواء في مناطق 48 أو مناطق 67، وبأدوات مختلفة تتفق ومعطيات الوضع المعيشي السياسي الأمني لفلسطينيي المنطقتين.
الاعتقالات شملت حوالي ثلاثمئة شاب من المدن العربية الفلسطينية في مناطق 48 وفي طليعتها مدينة أم الفحم، وشبان المدن المختلطة من اللد والرملة، بما يؤكد أن التوسع الجغرافي الإسرائيلي يشمل القدس والضفة الفلسطينية، باعتبار الأولى العاصمة الموحدة للمستعمرة، والثانية يهودا والسامرة أي جزءاً من خارطة المستعمرة، ولديهم مشكلة واحدة عنوانها الثقل السكاني الديمغرافي، فيعملون على التخلص منه أو تقليص وجوده، أو جعله أسيراً في مناطق مطوقة بالمستعمرات تحول دون إقامة حيز جغرافي متماسك دال على إقامة مشروع دولة فلسطينية.
سلطات المستعمرة، منعت الحافلات من نقل الفلسطينيين من مناطق 48 إلى القدس، الذين لبوا نداء الاستجابة ليشاركوا أهل القدس والمرابطين والمرابطات، يشاركوا الاعتكاف معهم في قلب الحرم وساحاته وحواري المدينة القديمة وشوارعها، حتى لا تتكرر من وجهة الرؤية الأمنية الإسرائيلية أحداث العام الماضي وما شهده أيار الرمضاني وهبة الكرامة يوم 10 أيار 2021، التي أحبطت آنذاك مسيرة الرايات.
وظفت سلطات المستعمرة نتائج هزيمة مسيرتها العام الماضي، فدفعت آلاف الجنود والشرطة وحرس الحدود مع كوادر الشاباك الاستخبارية، هذا العام، وتقييد مسبق بمنع دخول الفلسطينيين إلى القدس وإلى ساحات الحرم، وبذلك نجحوا نسبياً في تقليص الوجود الفلسطيني بقلب الحرم، مقابل كثافة إسرائيلية ممنهجة من قبل تشكيلات المستوطنين المستعمرين مدعومين بغطاء لوجستي وأمني وبشري من قبل حكومة الائتلاف وأحزابها اليمينية المتطرفة.
معركة مسيرة الرايات في القدس والخليل ليست أول خطوة استعمارية وليست نهاية المطاف للاحتلال، فالصراع سجال بين الشعب الفلسطيني ومحتليه، وإذا كان تفوق المستعمرة بارزاً، ولكنه لن يستمر، ونهايتهم كما حصل مع كل النظم الاستعمارية: الهزيمة والاندحار والإزالة، ولا فكاك ولا فرار لهم من هذه النتيجة مهما طال أو قصر الوقت.