نجح فنانون سعوديون وعرب من الجنسين، في إحياء قصة العشق الشهيرة في التاريخ العربي، بين شاب يدعى جميل وحبيبته بثينة، عندما جسدوا الشخصيتين اللتين عاشتا في العصر الأموي في منطقة تقع اليوم في شمال المملكة.
ولم يُكتب لتلك القصة أن تظهر في عمل فني درامي أو مسرحي في المملكة التي اتسمت طوال العقود الماضية بالمحافظة ونظرة رجال الدين المقيدة للفنون، على الرغم من وجود نص مسرحي لقصة العشق تلك كتبه في العام 1943 الأديب السعودي الراحل حسين سراج.
غير أن القائمين على وزارة الثقافة في المملكة، توجوا التغييرات التي شهدتها البلاد في السنوات الخمس الماضية، والانفتاح على الثقافة والفنون، والسعي لإحياء قصص التراث، بعرض مسرحي لقصة جميل بثينة.
وبعد أشهر من الإعداد والتدريب، بدأ منذ يوم الجمعة الماضي، عرض عمل مسرحي غنائي يجسد تلك القصة، في مسرح تابع لجامعة الأميرة نورة في الرياض، وسط إقبال كبير على المشاهدة من قبل نخب المملكة الثقافية وجمهور المسرح وعشاق التراث والتاريخ.
وساعدت طبيعة القصة في سهولة تجسيدها على المسرح أمام جمهور محافظ، إذ تتسم قصص العشق في التاريخ العربي بالعذرية التي يتبادل فيها المحبوبان أبيات الشعر للتعبير عن الغزل والحب والشوق، بينما لا يحدث الارتباط إلا عبر الزواج في مجتمع قبلي محافظ.
ورغم أن فرقة كركلا اللبنانية المعروفة إذ كتب مؤسسها عبدالحليم كركلا نص العمل المسرحي بشكل غنائي، بينما يؤدي فنانو الفرقة العمل أمام الجمهور، إلا أن الحضور السعودي تجسد في مشاركة ستة ممثلين وممثلتين، مع عشرة ممثلين ثانويين في بعض المشاهد.
كما تجسد الحضور السعودي في كثير من تفاصيل العمل المسرحي، لا سيما بعض الحوارات التي جرت باللهجة السعودية، ورقصة ”الدحة" التراثية الشهيرة التي تمثل مناطق شمال السعودية، والتي لا تزال حاضرة في بعض الاحتفالات في تلك المنطقة.
فقد استعانت الفرقة اللبنانية بفرقة رقص شعبي من منطقة العلا في شمال السعودية، وهي مسقط رأس جميل بن معمر المشهور بجميل بثينة وبطل قصة المسرحية.
ويقول سلطان المحزم الدهام، وهو باحث سعودي في التراث الثقافي، إن رؤية تراثنا العربي يظهر بهذه الصورة الجميلة وبهذا المستوى العالي، هو أمر جميل تستحق عليه وزارة الثقافة الشكر، وأجمل مافيه، هو رقصة (الدحة) التراثية التي توثقها الرسومات القديمة على الصخور ولا تزال مستمرة حتى اليوم.
ويرى الدهام الذي كان يتحدث في مقطع فيديو عبر فيسبوك للتعليق على العمل المسرحي، إن هذا الاهتمام برقصة ”الدحة" وعرضها في العمل المسرحي سينتهي بتسجيلها ضمن التراث غير المادي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
وعرضت الفرقة اللبنانية العمل المسرحي ذاته في بداية العام 2020 قبيل انتشار جائحة كورونا في منطقة سياحية فارهة بالعلا، ما جعلها بعيدة عن عشاق ذلك النوع من التراث، غير أن العرض الحالي الذي ينتهي يوم غد الثلاثاء، متاح للجميع في العاصمة الرياض وبتذاكر تبدأ من 75 ريالا وسط اهتمام إعلامي لافت تشارك فيها قنوات التلفزة والصحف المحلية.
وقال الكاتب والإعلامي السعودي عبد الإله المالك في تعليق على المسرحية ”سعدت بحضور المسرحية وكان عبق التاريخ ماثلا وأصالة العرب حاضرة وتجسيد فريق التمثيل لهذه الشخصية العربية كان بارعا ومميزا بجودة الأداء وسلاسته ورقة العمل المتماهي مع الشخصية الشعرية الرفيعة الرقيقة، زاد العمل بهاء سرعة وخفة الأداء المسرحي الذي تماشى مع العصر ومتطلباته شكرا، أبدعتم".
ويجسد الفنان السوري سامر إسماعيل والجزائرية أمل بوشوشة دوري جميل وبثينة، بجانب عشرات الفنانين والراقصين، وعدد أكبر من التقنيين والمهندسين من لبنان والسعودية ودول أخرى، لإظهار العمل المسرحي بصورة مشابهة لبدايات القرن الثامن الميلادي الذي جرت فيه قصة العشق تلك وانتهت بتزويج بثينة من رجل آخر غير حبيبها.