مرت أيام والنساء يترددن يوميا لملازمة امرأة دخلت في مرحلة غيبوبة، لا أدري أن كان تم عرضها على الطب حينها أم اكتفوا بمراقبتها على فراش الموت ، لكن هذه الحالة تسمى في مفهومنا الشعبي حالة التقديس، أي أن المرأة قدست، وهذه تسمية تطلق على من يدخل حالة سبات مابين الحياة والموت.
كنت استمع يوميا لآخر التطورات، لم تمت بعد، جست جدتي منطقة في الرقبة وتأكدن أن عرق الحياة نابضا.
كن يضعن في فمها معلقة من السمن ثم يقطرن بعض قطرات من الماء.السمن يحول دون جفاف حلقها ويقلل من تأثير الماء.
استمرت الحالة أيام وأيام لدرجة الملل والتوقب لما سيحدث لاحقا ،في يوم وبدون مقدمات فتحت المرأة عينيها وعادت تتعرف على من يحطن بها، رويدا رويدا عادت كما قبل الغيبوبة وبدأت تتحدث عما رأت في فترة تقديسها عن العالم الآخر.
ذكرت عدة أموات التقت بهم، كنت أستمع لما يدور بنهم َخوف، أخبرتهن أنها التقت بفلانة التي وجدتها تجلس على فراش قديم، سألتها ولماذا لا تستخدمين فراشك هذا المطوي بقربك؟! عرفت أنه ممنوع عليها لأنها في حياة الدنيا كانت تبخل بفرشه للضيوف وحتى منت على نفسها به.
كذلك أخبرتهن عن فلانة أخرى يعرفنها، وصفت حالة هذه الأخيرة والتي شكت لها تعبها من ركضها خلف ماعزها، والماعز لاتحمد مكازاته لمن خبر طبعه العنيد، أوصتها أن تطلب من ذويها عندما تعود إلى الحياة بأن يذبحوا النعاج عن روحها، وخاصة في عيد الأضحى ، وهن يسردن القصة، التفت جدتي نحوي إشارة منها لي، هل وصلت الرسالة، أي كي أضحي لها بعد رحيلها من فصيلة الأغنام حرصا على راحتها في العالم الآخر.
أخبرتهم أيضا أن كائنات ذاك العالم وبعد إنتهاء تطوافها بينهم ورؤية مالا تستطيع الأخبار به كله بناء على وصيتهم المشددة، علمت منهم أنها ستعود الآن كما كانت وستظل بكامل صحتها ومروتها وستعيش كذا من السنين وفعلا عاشت كما نقلن النساء الخبر عنها.
قد تبدو القصة غريبة وخارج المنطق العقلي ولكني عشتها بحذافيرها.
التمسك بفكرة أضحية الغنم أو الإبل في ميثولوجيا البادية ذات علاقة بتجدد الحياة في عالم مابعد الموت، فالغنم لأنها أسهل عناية وتربية وكذلك الأبل لركوبها والإنتفاع من حليبها.. أما الماعز فيعد تعبا وعبئا لا لزوم له.