قلوب الكثيرين رهيفة أمام مشهد الوداع لأنَّ العاطفة تكون فياضة ويرافقها إغروراق العيون بالدمع الذي يَنّمُ عن حب اللقاء ولوعة الوداع.
نفرح باللقاء ونحزن عند الوداع. وهذا أمر طبيعي، فأجمل لحظات الدنيا هي لقاء الأحباء وتجمّعهم. ولكن الدنيا وقد حملَتْ ما حملَت من مآسْ وويلات فرّقت كثيرين وأبعدتهم عن أحبتهم وغرّبتهم وولَّدَت في القلوب لوعة الفراق وأمل اللقاء. والعيش على أمل اللقاء مهما طال البُعاد أو الغربة هو الدافع والحافز للتمسك بالحياة وإجتياز كافة المشقات والمتاعب لأنَّ فرحة اللقاء تمحي كل آلام وآهات الوداع تماماً كالأم التي بعد وضع مولودها يزول كل تعبها وألمها ولا تسعها الدنيا من الفرح لرؤية وليدها حبيب قلبها.
وهكذا هي الحياة، فهي تتطلب أن يكون هناك وداع حتى داخل العائلة الواحدة لأنَّ طريق الحياة يتطلب السفر والتغّرب من أجل التعليم والعمل وتحقيق الذات وربما لأجل العلاج أيضا، ومع كلّ ذلك فنحن نودّع أحبائنا على أمل ورجاء اللقاء بهم ثانية متكلين عن حماية الله ورعايته. فمع كل نبضة قلبٍ خافقة ومع كل دمعة منهمرة هناك أمل ورجاء قلبي يملئ القلب بلسماً وسلاماً وطمأنية بأن الوداع سيتبعه لقاء أجمل وأورع، مما يدعونا لئلا نكّل في حياتنا أو نستكين بل أنْ نجاهدَ في درب الحياة ونسعى في نشاطنا ووفائنا لواجباتنا وأعمالنا.
وحتى الموت فمع كونه أصعب وداع لأنه الوداع الأخير والنظرة الأخيرة، لكن من قال أن نور الإيمان لا ينير قلوبنا بأن هذه الوادع رغم آلمه ودموعه وصعوبته إلا أنه مشحون بالرجاء بأنّ من ودعناه سنعود نراه ثانية في يوم القيامة العظيم، عندها يتحقق اللقاء ثانية بحسب الوعد الإلهي بالحياة الخالدة والحياة الأبدية.