أي لمن البركة ولمن الرضَى ولمن الحياةَ ولمن الثروةَ والغنى الحقيقي ولمن الفرحَ والسعادة؟
هذه أمور كلّها تنشدها النفسُ البشرية لكن يبقى كثيرون بعيدون عن نيلها والتمتع بها وجعلها من نصيبهم، ليس لسبب إلا لأنهم اختاروا غنىً آخر يفنى وحياةً أُخرى زائلة وفرحًا عابراً موقتاً وتبيجلاً زائفاً زائلاً لا يبقى ولا يدوم لأنه رهن المصالح والنافع.
ولكن البركة الحقيقية ينالها الإنسان الذي يخاف الله ويتقيه ويعمل بواصاياه، فيختبر معنى هذه البركة في حياته لدرجة أن قلبَه ثابت مُمكّن فلا يُخيفه شيء مهما تلاطمت أمواج الحياة العاتية ومهما حملت من أخبار مولمة وسيئة، فكلُ ذلك لا يُزعزع حياته وقلبه بل على العكس يزداد قوة وصلابة في الوقوف بوجه الشّر وعدم السكوت عنه، والتسلح بالحق ونصرته حتى لو خسر حياته.
فهذه هي الحياة التي يريدنا الله أن نحياها اليوم، فلا يريدنا مؤمنين ضعفاء خانعين أذلاء مستسلمين للواقع المرير، بل متمردين على كل ما يُذِّلُ قيم الحياة والحب والجمال والحرية والعدالة. فأنصاف الرجال لا يفيدون ولا ينفعون بل على العكس يَضرون أنفسهم قبل غيرهم، فالقلبُ العامر بالإيمان الحقيقي هو القلب الجريئ الشجاع الذي لا يخشى في الحق لومة لائم بل كلامهم نعم نعم ولا لا.
لمثل هؤلاء تحل البركة والطوبى والرضى الإلهي، فالغنى الحقيقي الذي يملئ حياتهم وبيوتهم هو غنى النفس التي يفوق ثمنُها الجواهر واللآلى وهو الغنى الذي يبقى ويدوم مع الإنسان في حياته وبعد مماته، والفرح الذي يملئُ قلوبَهم يسمو على كلِّ الأحزان والأوجاع والأمراض والتحديات، فسعادتُهم غير مرتبطة بتغيّر الظروف وتبدّلها بل فرح وسعادة غامرتين لقلبهم لا تنطفئ ولا تقدر كلُّ ظروف الحياة أن تطفئها، فمهما اشتدت الظلمة من حولهم فالنور الإلهي يشرق لهم وينير دربهم ويفتح لهم أبوابًا جديدة.
ومن المهم أن نتذكر أن بركة هؤلاء المطوّبين تنتقل إلى جيلهم وإلى أولادهم بعدهم، فنسلُهم يتبارك ببركتهم، فيشكلون جيلاً قويا فيكون الشبل من ذاك الأسد وينعمون بثمار الحياة الحقه التي أرادها الله لنا رغم كل ما يحيط بها من أشواك وعثرات وتتوج بالحياة الأبدية.