قبل قليل سمعت بنعي الطبيب فلاح الحرفوشي السرحان .. جراح العظام المعروف ، يا الله كيف يأتي الموت في بلادنا في التشارين ليخطف زينة الرجال ونحن على مرمى حجر من ذكرى رحيل وصفي التل .. تذكرت أنه قام بعملية نادرة لوالدي عام ٢٠٠٥ .. أزال مفصل يده اليمنى وزرع مفصلا صناعيا ودعمه بعظام أخذها من ساق وحوض أبي .. بعد خروج أبي من العملية بأيام قال لي الدكتور فلاح : "أعطيت أبيك قلما وهو يكتب بيده ، لأني ما بلشت بالأعصاب "..!!
كان مبتسما دائما ، يتحدث بلهجته البدوية وهو الذي درس في أعلى معاهد اليونان الطبية ولكنه لم يغير جلده ولم يتنكر لأهله ، يلاقي المراجعين والموجوعين من البدو في ممرات المدينة الطبية ويسألهم ويداويهم ، وهم الذين يزورون عمان للعلاج فقط ولا يعرفون إلا درب المدينة إلا عند الوجع .. شكّل مع متروك العون السردية نموذجا ناصعا للطبيب الإنسان الذي لا ينسى صحاري البادية من صبحا وصبحية إلى مغير السرحان ، فكانت موردا للطيب والإبداع ، وأضافوا "عيال البدو" نكهة مميزة ومختلفة لبلادنا في كل مجال دخلوه.
قال مرة لأحد المرضى الذي أصيب بحادث سير : تعرف يا عليان .. صابونة ركبتك كانت مثل ضرس الجميد لمّا تضربه بالصفاة .. جمعتها شنصة شنصة".. هذا هو طبيب وجراح العظام الذي رحل اليوم بكل زهو العسكر وفروسية البدو وطيب الأردنيين ، يموت الرجال ويدفنون ولكن لا يدفن التراب ذكرهم .
وهذا الرجل له دين في أعناقنا وجميل لا يسد ولا نملك إلا الكلام والحبر والدعوات لله العلي القدير أن يرحمه ويغفره ويسكنه عليين .